Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مزايدات أوروبية انتخابية ضد تركيا

الإسلاموفوبيا يختصر تعاطي بعض حكام أوروبا، وخصوصاً من أوساط اليمين ويمين الوسط، من ألمانيا وأخيراً هولندا، مع تركيا، استمرار انجرار يمين الوسط الأوروبي وراء المزايدات الشعبوية لليمين القومي المتطرف، بينما تطرق الانتخابات أبواب عدد من العواصم الأوروبية، فضلاً عن ترجمته فشلاً أوروبياً في إنتاج سياسات جديدة للتعامل مع تركيا بندية واحترام. من هاتين الزاويتين يمكن فهم تصاعد التوتر بين أنقرة وأمستردام على خلفية منع هولندا سحب إذن هبوط طائرة وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في مدينة روتردام الهولندية للمشاركة في مهرجان سياسي مؤيد لاستفتاء تعديل الدستور التركي وجعل تركيا بنظام رئاسي، تلاه منع وزير الأسرة والشؤون الاجتماعية، فاطمة بتول سايان كايا، من دخول القنصلية التركية في المدينة، على بعد أمتار منها. من هنا، تبدو أحداث روتردام نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه أوروبا في حال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في عدد من بلدان القارة العجوز. بدأ الأمر مع قيام أحزاب يمين الوسط واليمين المتطرف في عدد من المدن الأوروبية، بدءاً من فيينا، باستبدال الحملات ضد "تهديد اللاجئين" و"غزو المسلمين" كوسيلة للصعود في صناديق الاقتراع، إلى "التهديد التركي"، لتصبح تركيا، في المخيال الشعبوي في أوروبا، مرادفاً للإسلام و"لخطره"، وهو ما يصح على مرشحي اليمين الفرنسي أيضاً الذين حاولوا استثمار رفض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والعداء للاجئين والمسلمين عموماً منذ انتخابات اليمين التمهيدية.

ولكن الأمر يبدو مختلفاً في هولندا، التي تنتظر انتخابات برلمانية عامة، يوم الأربعاء المقبل، ومع تقدم رئيس الوزراء الحالي، ومرشح حزب الشعب للديمقراطية والحرية (يمين وسط) مارك روته، في استطلاعات الرأي، بنسبة بسيطة على مرشح حزب الحرية العنصري المعادي للاتحاد الأوروبي وللأجانب، غيرت فيلدرز، عمد الأخير لتحويل الأنظار من التنافس على البرنامج الانتخابي، إلى الشأن الخارجي، بأن تظاهر أمام السفارة التركية، بشعارات عنصرية ضد الأتراك والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لينجر معه روته في حملات المزاودة، فبدأت الأزمة التركية الهولندية في هذا السياق.

وعلمت "العربي الجديد" من مصدر مطلع في وزارة الخارجية التركية، أن وزير الخارجية جاووش أوغلو، ومن ورائه الإدارة التركية، تفهموا الأمر في البداية، من باب وعيهم بالوضع في هولندا وحساسيات اليمين المتطرف هناك وانتخابات 15 مارس. ورغبةً منهم في عدم الخوض في الشأن الداخلي الهولندي، "تحدث جاووش أوغلو مع نظيره الهولندي بيرت كويندرس، في ما يخص قيام السلطات الهولندية بمنع إقامة اللقاء الذي كان سيجمع جاووش أوغلو مع الجالية التركية في روتردام، مبدياً تفهمه للوضع الداخلي الهولندي، وعرض عليه تأجيل زيارته إلى روتردام إلى ما بعد نهاية الانتخابات الهولندية، لكن الأخير رد عليه بأنه لن يضمن له أن يقوم بهذه اللقاءات حتى بعد انتهاء الانتخابات"، بحسب مصدر مطلع.

ولم يتأخر جاووش أوغلو بالرد، عبر التأكيد على أنه سيذهب إلى روتردام للقاء الجالية التركية في مقر القنصلية هناك، مشيراً إلى إمكانية فرض عقوبات شديدة على هولندا في حال عمدت إلى منعه من ذلك، لترد السلطات الهولندية بسحب إذن هبوط طائرة جاووش أوغلو. وبينما ردت وزيرة الأسرة التركية، من ألمانيا، بأنها ستتوجه براً إلى القنصلية في روتردام للقاء الجالية التركية، ردت الحكومة الهولندية، في ما بدا سابقة تاريخية، بمنع الوزيرة على بعد أمتار من دخول القنصلية، بما يعتبر خرقاً فاضحاً للقوانين الدولية بمنع مسؤول يحمل جوازاً دبلوماسياً من دخول قنصلية بلاده التي تعتبر أرضاً تركية، تلاه قيام السلطات الهولندية بترحيلها إلى الأراضي الألمانية.

وتبدو هذه الأزمة كتطور موضوعي لتخبط غربي في التعامل مع تركيا بعد أن فقدت أوروبا معظم أوراقها ضد وريث "الرجل المريض"، فلم تعد أنقرة ذاك الباحث عن حزمة الدعم الأوروبية، والخائفة من السوفييت الذين تحولوا، من خلال الروس اليوم، لشركاء استراتيجيين لا يقلون أهمية عن الغرب في ضمان المصالح التركية. ولم تعد المواقف الأوروبية أو الغربية عموماً، كما في السابق، حاجزاً يمنع أي سياسي تركي من الإقدام على أي فعل، بل على العكس تماماً، تحوّل الاعتراض الأوروبي حافزاً إضافياً لحكام أنقرة لرفع الصوت، الأمر الذي بات أكثر وضوحاً بعد الموقف الأوروبي البارد إن لم نقل المؤيد ضمناً للمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/ تموز الماضي، وكذلك الدعم الغربي لحزب العمال الكردستاني بالذات في الساحة السورية، ومن ثم انتهاءً لعبة العصا والجزرة في ما يخص أحلام تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

في مواجهة ذلك، طور الساسة الأتراك خطاباً مختلفاً تماماً عما اعتادته الجمهورية خلال ما يقارب التسعين عاماً، بعد أن استعادت موقعها في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، وباتت أقرب إلى قوة أوراسيوية، منها إلى جزء من الغرب، وبالتالي لم يعد الغرب صديقاً، ولم يعد الساسة المحافظون الأتراك يترددون في الحديث عن "الغرب المتآمر" في معظم خطاباتهم.

على الضفة الأخرى، يتطور في أوروبا خطاب سمته الازدواجية الفاقعة، فتعارض عواصم دول الاتحاد علناً التعديلات الدستورية التركية لأنها "ستحول تركيا إلى جمهورية تسلطية"، برأيهم، بينما يدعمون، علناً أيضاً، حكاماً مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مثلاً، ويستمرون في دعم حزب العمال الكردستاني ووضع العراقيل في جه انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مقدمين لليمين التركي خدمة لم يكن ليحلم بها، فتحول الاستفتاء على التعديل الدستوري إلى معركة خارجية، تستدعي رص الصفوف لمواجهة "الغرب المتآمر"، مثلما يحلو لرجب طيب أردوغان ومساعديه تكراره، فلم تتردد الحكومة التركية في استخدام الأزمة في إطار الحملة التي تديرها لحث المواطنين على الموافقة على استفتاء 16 من إبريل المقبل. من هنا، لم يظهر أردوغان كأنه حزين إزاء الأزمة الأخيرة مع هولندا التي بدأ رئيس حكومتها يحاول التهدئة، مبرراً المنع برفض حكومته "ازدواجية الولاء" عند الأتراك الهولنديين (يرواح عددهم بين 250 ألفاً و400 ألف). أما أردوغان، فبدا أنه فهم جيداً حسابات الانتخابات الهولندية، معتبراً العدائية الأوروبية تجاه تركيا كأحد "مظاهر الإسلاموفوبيا والعنصرية التي بدأت تستشري في الغرب".
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الاثنين 13 مارس 2017
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com