سريعاً ما تسيل الدموع من عيون الأطفال بمجرد دخول أي شيء إليها, ولكن ليس بالضرورة أن ترجع زيادة إفراز المادة الدمعية في أعين الأطفال إلى دخول أجسام غريبة إليها فحسب, حيث يمكن أن يعزى ذلك إلى أسباب مرضية أيضاً, لذا ينبغي على الآباء ألا يحاولوا علاج أعين أطفالهم بأنفسهم في مثل هذه الحالة، إنما عليهم استشارة طبيب عيون متخصص.
وأوضح كبير الأطباء بمستشفى العيون الجامعي بمدينة دريسدن الألمانية، فالك زومر، أن هناك بعض الرُضع يعانون من زيادة معدل إفراز المادة الدمعية بصورة مستمرة، فنجد دموعهم تسيل دائماً على وجناتهم الصغيرة.
وقد أرجع زومر ذلك إلى تضيّق القنوات الدمعية لديهم بشدة أو انسدادها تماماً، مما يؤدي بالطبع إلى إصابتهم بالتهابات في أعينهم باستمرار, ومن ثمّ إلى زيادة إفراز المادة الدمعية لديهم.
وأشار زومر إلى أن زيادة إفراز المادة الدمعية أو احمرار العين لدى الأطفال الأكبر سناً، غالباً ما يُشير إلى إصابتهم بعدوى بكتيرية في أعينهم، لافتاً إلى إمكانية أن يُعزى ذلك أيضاً إلى وجود رمش أو حشرة صغيرة للغاية مختبئة داخل أعينهم وهم لا يشعرون بها، مما يستلزم بالطبع إزالتها.
وأوضح أن الإصابة بتضيّق أو انغلاق القنوات الدمعية تحدث لدى 6% من الأطفال الرضع، علماً بأنها تعد عيباً خلقياً يُولد به الطفل.
وعن أعراض الإصابة بذلك، قال زومر "يُلاحظ الآباء أن هناك الكثير من الدموع تسيل على وجنتي الطفل بصورة مستمرة", وأرجع زومر سبب ذلك إلى عدم قدرة الدموع على اتخاذ المسار الطبيعي لها داخل العين نتيجة انغلاق الغشاء المخاطي الرقيق المعروف باسم "صمام هاسنر" والموصل بين القنوات الدمعية والأنف.
تجمع البكتيريا
ويوضح البروفيسور كريستيان أورلوف -من الجمعية الألمانية لطب العيون بمدينة ميونيخ- أنه من المفترض أن يتضاءل حجم هذا الغشاء قبل الولادة أو خلال الأيام القليلة التالية لها. أما إذا لم يحدث ذلك، فعادةً ما تتجمع السوائل داخل القناة الدمعية وتتسبب في إغلاقها, وعن عواقب ذلك قال أورلوف "تتجمع البكتيريا بشكل سريع داخل القناة الدمعية، مما يؤدي إلى الإصابة بالتهابات في العين بمنتهى السهولة".
وأوضح أورلوف أن الإصابة بهذه الالتهابات تظهر في صورة احمرار العين، كما يُمكن أن تتكون بعض الإفرازات الصفراء، مما يؤدي إلى انغلاق العين صباحاً, وإذا لم يتم علاج هذه الالتهابات، يحذر طبيب العيون أورلوف من إمكانية أن تتطور إلى التهابات مزمنة بعد ذلك، لافتاً إلى أن بعض المراهم أو القطرات المحتوية على مضاد حيوي، يُمكن أن تُساعد في علاج مثل هذه الالتهابات.
وإذا تحقق الأطباء من أن السبب في الإصابة بزيادة إفراز المادة الدمعية لدى طفلهم الرضيع هو تضيّق القنوات الدمعية، فإنهم ينتظرون بعض الوقت في البداية للتأكد مما إذا كانت هذه القنوات ستنفتح من تلقاء نفسها أم لا.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الرابطة الألمانية لأطباء العيون بمدينة دوسلدورف، جورج إيكرت، "نأمل في أن تزول المشكلة من تلقاء نفسها، عندما تنمو رأس الرضيع".
لذا فعادةً ما يُوصي الأطباء آباء الأطفال الرُضع المصابين بزيادة إفراز المادة الدمعية بتدليك القنوات الدمعية لدى طفلهم بحذر بدءً من الشهر الأول من عمره وحتى شهره الثالث.
أما إذا لم يحدث ذلك بعد جلسات التدليك هذه، أشار زومر إلى إمكانية اللجوء في هذا الوقت إلى إجراء جراحة بسيطة لا تستغرق وقتاً طويلاً على الإطلاق، لافتاً إلى أنه عادةً ما يقوم الطبيب خلال هذه الجراحة بإدخال مسبار معدني في القناة الدمعية لإزالة الانسداد، أو يقوم بفتح صمام هاسنر نفسه.
موعد الجراحة
وتختلف الآراء بشأن الموعد المناسب لإجراء هذه الجراحة لدى الأطفال الرُضع, فالطبيب الألماني إيكرت يوصي بالانتظار حتى يبلغ الرضيع ستة أشهر إلى 12 شهراً، موضحًا أنه يُمكن توفير الأمان للطفل خلال هذه الفترة من خلال استخدام المراهم المضادة للالتهاب.
أما طبيب العيون زومر فيوصي بإجراء هذه الجراحة فيما بين الشهر الثالث والرابع من عمر الرضيع، موضحاً أنه كلما تم إجراء الجراحة بشكل مبكر زادت فرص نجاحها, حيث تصل نسب النجاح في هذه المرحلة العمرية إلى 90%". بينما يصعب إجراء الجراحة باستخدام المسبار لدى الأطفال الأكبر سناً, نظراً لزيادة صلابة الأنسجة لديهم، مما يؤدي إلى تعرضهم لخطر الإصابة بجروح أثناء إجراء العملية.
وأضاف زومر أن هذه العملية الجراحية تستغرق مدة تتراوح بين ثلاثين ثانية وثلاث أو أربع دقائق، موضحاً كيفية إجراء العملية "لا يتم تخدير الأطفال الرضع خلال عامهم الأول، وإنما يتم لفهم داخل قطعة قماش وتُمسك بهم إحدى الممرضات أثناء إجراء الجراحة".
وصحيح أنه يصعب على الآباء تحمل رؤية هذا المشهد، لكنه يكون أكثر أماناً بالنسبة للطفل عن التخدير, وأضاف زومر "يُمكن أن يخضع الطفل للتخدير عند إجراء هذه الجراحة بعد أن يتم عامه الأول".
أما إذا ازداد إفراز المادة الدمعية لدى الأطفال الأكبر سناً، فعادةً ما يرجع ذلك إلى أسباب أخرى تماماً، وأوضح طبيب العيون الألماني أورلوف أن هذه الإفرازات عادةً ما تكون طبيعية للغاية خلال هذه المرحلة العمرية, فقد ترجع مثلاً إلى تعرض الطفل لتيار هوائي أثناء ركوبه الدراجة أو إصابته بالتهاب نتيجة تعرضه لضوء الشمس.
وأوصى أورلوف أنه إذا اختفى هذا العرض من تلقاء نفسه، فلا يوجد حينئذٍ أي داع للقلق, ولكن إذا لم يقل معدل الإفرازات الدمعية مع مرور الوقت أو أُصيب الطفل باحمرار شديد في عينيه، فيُفضل أن يستشير الآباء حينئذٍ طبيبا مختصا.
عدوى بكتيرية
وأوضح أورلوف أنه غالباً ما ترجع الإصابة بذلك إلى انتقال عدوى بكتيرية إلى الطفل، لافتاً إلى أنه من النادر أن يُعزى ذلك إلى عدوى فيروسية.
وعن كيفية العلاج، أشار الطبيب الألماني إلى أنه عادة ما يكفي علاج هذه العدوى من خلال تنظيف عيني الطفل باستخدام قطعة قماش مبللة وإعطاؤه بعض قطرات العيون الصناعية، لافتاً بقوله "لا يستلزم الأمر إعطاء الطفل نوعيات القطرة المحتوية على مضادات حيوية في بداية إصابته, ولكن إذا لم يزل الالتهاب بعد اتخاذ هذه الإجراءات البسيطة، فعادةً ما يوصي الأطباء بعد ذلك باستخدام المضادات الحيوية".
وإذا لاحظ الآباء انغلاق أعين أطفالهم في الصباح، يوصيهم طبيب العيون أورلوف بتدليك العين باستخدام قطعة قماش مبللة بماء فاتر. وعن فائدة ذلك يقول أورلوف "البكتيريا المسببة للالتهابات تستقر في الإفرازات الموجودة على الرموش"، موضحاً أن هذه الإفرازات قد تكون ناقلة للعدوى، لذا ينصح الطبيب الألماني الآباء بألا يرسلوا أطفالهم إلى روضة الأطفال خلال فترة مرضهم, ويعود زومر ويطمئن الآباء بقوله "خطورة انتقال العدوى بهذه الالتهابات ضئيلة للغاية".