
أفرجت وزارة العدل الأميركية عن مئات الآلاف من الوثائق المتعلقة بتحقيقات قضية جيفري إبستين استجابة للمهلة التي حددها قانون الشفافية الذي أصدره الكونغرس ووقعه الرئيس دونالد ترامب. وسيظهر خلال ساعات مدى أهمية هذه الوثائق وحجم الكمية الجديدة منها وما تكشف عنه. ورغم أن القانون يحدد يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2025 نهايةً للمهلة التي حددها الكونغرس للإفراج عن وثائق القضية، إلا أن نائب المدعي العام تود بلاش، ذكر في تصريحات لشبكة فوكس نيوز الجمعة، أن الوزارة ستحجب كمية غير معروفة من المواد. وقال إن المحامين يواصلون مراجعة هذه الوثائق لحذف بعض المواد، وإنها ستصدر خلال الأسبوعين المقبلين.
وحاولت إدارة ترامب خلال الأشهر الماضية إغلاق قضية إبستين التي شغلت أنصاره، وطلب عدم الحديث عنها، ما أشعل حالة من الغضب داخل حركة "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وعمل القادة الجمهوريون في مجلس النواب بضعة أشهر لمنع تشريع لنشر هذه الوثائق، غير أن توقيع بعضهم لصالح التصويت للإفراج عنها أجبر الكونغرس على التصويت بالإجماع تقريباً في مجلسي النواب والشيوخ.
وتنتهي خلال ساعات مهلة 30 يوماً يمنحها القانون للحكومة لإصدار المستندات، غير أنه يتضمن بعض الاستثناءات التي تسمح لوزارة العدل بضمان بقاء عدد من المستندات سرية. ومن المتوقع أن يتسبب عدم النشر الكامل في معركة جديدة بين المشرعين وإدارة الرئيس ترامب. وعقب تصريحات مسؤول وزارة العدل لشبكة فوكس نيور، قال النائبان الديمقراطيان روبرت غارسيا وجيمي راسكن، في بيان لهما، إن وزارة العدل تنتهك القانون الفيدرالي بمواصلة التستر على الحقائق، داعيين إلى "شفافية كاملة".
ويترقب ضحايا إبستين نشر عشرين اسماً على الأقل لأشخاص متورطين من ذوي النفوذ والمال، ذكروا أسماءهم في تحقيقات سابقة أجراها معهم مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي". وقال عضو مجلس النواب الجمهوري توماس ماسي، أحد عضوين أجبرا الكونغرس على التصويت للإفراج عن الوثائق، في فيديو نشره على صفحته على منصة إكس الخميس: "كيف سنعرف ما إذا كانوا قد أصدروا جميع الوثائق؟ حسناً، واحدة من الطرق هي أن أشخاصاً تابعوا القضية لسنوات وقد تحدثت معهم سراً، ويعرفون بعض المواد، وأيضاً محامو الضحايا تواصلوا معي، وهم يعرفون مجتمعين أن هناك ما لا يقل عن 20 اسماً لرجال متهمين بجرائم جنسية في ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي".
خيبة أمل
وعبّر مشرّعون ومتابعون عن خيبة أملهم بعد نشر وزارة العدل مئات الآلاف من الوثائق المتعلقة بتحقيقات قضية جيفري إبستين، وأشاروا إلى أن هذه الوثائق الجديدة لم تلبِّ طموحاتهم بنشر الوثائق طبقاً للقانون، ونشر متابعون عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يظهر أن الوزارة نشرت وثيقة واحدة من هيئة المحلفين الكبري تتكون من أكثر 100 صفحة، ولكن جرى تظليل جميع معلوماتها بالكامل.
من جانبه، أكد النائب الديمقراطي رو خانا، أحد نائبين صاغا قانون الشفافية بشأن قضية إبستين، في فيديو نشره على منصة أكس عقب اطلاعه على الوثائق، أن الوثائق المنشورة غير مكتملة وتحجب الكثير من المعلومات ولا تتوافق مع القانون الذي يتطلب شرح أسباب حجب المعلومات. وأشار إلى نشر وثيقة واحدة من هيئة محلفين كبرى في نيويورك تتكون من 119 جرى تسويدها بالكامل، أي حجب المعلومات المنشورة بها، رغم وجود أمر قضائي بإصدار هذه الوثيقة. وقال خانا: "لم نرَ مسودة لائحة الاتهام التي تورط أصحاب النفوذ والمال في جزيرة إبستين، الذين شاركوا في الاعتداء جنسياً على الأطفال أو شاركوا فيه وفي الاتجار بالجنس".
وكشف خانا أنه يدرس هو والنائب توماس ماسي شريكه في صياغة قانون الشفافية، جميع الخيارات، بما فيها التحرك قانونياً ضد وزارة العدل والدعوة إلى عزل المسؤولين في الوزارة أو توجيه تهمة الازدراء أو إحالة من يعرقلون العدالة إلى المحاكمة، وقال: "سنعمل مع الناجيات للمطالبة بالإفراج الكامل عن هذه الملفات وللمطالبة بالعدالة لضحايا إبستين ومحاسبة المسؤولين".
ويُعَدّ هذا الإصدار جزئياً، حيث يقدر حجم الإجمالي المنشور اليوم على موقع الوزارة بنسبة 1% من نحو 300 جيغابايت وفقاً لما يقوله أعضاء بالكونغرس.
صور كلينتون الأكثر انتشاراً
وتعيد الوثائق نشر مواد كانت معروفا سابقا في تحقيقات فلوريدا عام 2006 ونيويورك عام 2019، وبعض الدعاوى مثل دعوى الضحية فيرجينيا جيوفري، وتعد صور الرئيس الأسبق بيل كلينتون هي الأكثر انتشاراً. وأظهرت بعضها كلينتون على متن طائرة خاصة، بما في ذلك صورة مع امرأة تم تظليل وجهها تجلس بجانبه وهي تضع ذراعها حوله. وتظهر صورة أخرى كلينتون في مسبح مع جيسلين ماكسويل، الصديقة المقربة لإبستين لفترة طويلة والشخصية الاجتماعية البريطانية، ومع شخص آخر تم تظليل وجهه أيضا. وتُظهر صورة أخرى كلينتون في حوض استحمام ساخن مع امرأة تم تظليل وجهها. ولا تذكر الملفات متى أو أين التُقطت الصور، وكان هناك القليل من السياق المحيط بها.
إشارات نادرة لترامب في وثائق إبستين وإعادة نشر صورهما القديمة
من جانبها، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنها أجرت مسحاً أولياً لآلاف الوثائق ومئات الصور من ملفات إبستين التي نشرتها وزارة العدل، وأشارت إلى أن اسم الرئيس دونالد ترامب نادراً ما ذكر في هذه المستندات التي نشرت اليوم، وأشارت إلى أن معظم الصورة له هي صور منشورة من قبل، بما فيها صورته وزوجته ميلانيا مع إبستين وشريكته غيسلين ماكسويل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الملفات التي راجعتها كانت محجوبة إلى حد كبير، وأنه "وردت إشارات مكتوبة في دفتر عناوين إبستين وسجلات رحلاته الجوية، ودفتر رسائل كان مساعدو إبستين يبلغونه فيه عن المكالمات"، مضيفة أن نسخ هذه الوثائق كانت بالفعل منشورة. كذلك ورد اسم ترامب في مقابلات مع ماكسويل، وهي بالفعل وثائق نشرتها من قبل وزارة العدل.
وزارة العدل في رسالة للكونغرس: أحصينا 1200 اسم للضحايا وأقاربهم
في غضون ذلك، كتب نائب المدعي العام تود بلانش، في رسالة للكونغرس يشرح فيها كيفية فحص السجلات قبل نشرها، قائلاً إن وزارة العدل أحصت في أثناء عملية تجميع السجلات 1200 اسم للضحايا وأقاربهم. وتشمل هذه المواد شهادات هيئة المحلفين الكبرى وسجلات التحقيقات واتفاقية الحصانة والتسويات السرية والاتصالات الداخلية المتعلقة بإبستين وغيسلين ماكسويل شريكته السابقة، التي أدينت عام 2021 بتهم الاتجار بالجنس وحكم عليها بالسجن 20 عاماً.
وذكر بلانس في رسالته أن سجلات غبستين يجب أن تخضع لمراجعة شاملة متعددة المراحل يجريها أكثر من 200 محامٍ من وزارة العدل بعد تحديد التعديلات اللازمة وإخفاء معلومات قد تكشف هوية ضحايا، لافتاً إلى أنه جرى التواصل مع المحامين لطلب أسماء الضحايا، حتى هؤلاء الذين لم تُحدَّد هويتهم سابقاً.
اعتراضات من أعضاء الكونغرس
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر: "كان القانون الذي أقره الكونغرس ووقعه الرئيس ترامب واضحاً تماماً. كان أمام إدارة ترامب 30 يوماً لنشر جميع وثائق قضية إبستين، وليس نشر بعضها فقط. هذا يعد انتهاكاً للقانون. يريد الناس معرفة الحقيقة ويواصلون المطالبة بالإفراج الفوري عن جميع الملفات".
هذه هي الاستثناءات التي حددها القانون
ويوجه القانون، المنشور منذ 30 يوماً، وزارة العدل بنشر مجموعة واسعة من المواد، مع استثناء للمعلومات السرية وأي معلومات من شأنها تعريض تحقيق فيدرالي نشط أو محاكمة جارية للخطر، ويشترط القانون أن يكون هذا الحجب محدوداً ومؤقتاً.
ويتضمن القانون أيضاً بعض البنود التي تسمح لوزيرة العدل بام بوندي بحجب بعض السجلات التي قد تنتهك حقوق الضحايا، بما في ذلك معلومات شخصية أو ملفات طبية تكشف أسماء المدعين أو المواد التي تحوي إساءة معاملة الأطفال. بينما يتطلب القانون نشر وثائق تتعلق بوفاة إبستين في السجن، الذي قضت محاكم فيدرالية بوفاته منتحراً. كذلك فإنه وفقاً للقانون، لا يمكن إبقاء سجلات سرية بسبب "الإحراج أو الإضرار بالسمعة أو الحساسية السياسية".
وألقي القبض على جيفري إبستين لأول مرة عام 2006، وأُدين بتهم رسمية بالاتجار بالجنس عام 2008، وذلك بعد صفقة إقرار بالذنب سرية مع المدعين الفيدراليين بقيادة أليكس أكوستا؛ الذي أصبح وزيراً للعمل في حكومة ترامب في ولايته الأولى (2017 ـ 2021). وحمته هذه الصفقة من الملاحقة القضائية بتهم فيدرالية أكثر خطورة لها علاقة بالتحرش الجنسي بالأطفال، وأطلق سراحه على غير العادة بعد 13 شهراً فقط. وفي 2019، ألقي القبض على جيفري إبستين مرة أخرى للتورط في الاتجار الجنسي بالأطفال القصر، قبل أن ترتبط وفاته في أغسطس/آب من العام نفسه بحالة من الغموض لغياب تسجيل الدقائق الأخيرة قبل الوفاة. ويؤكد كثيرون من أتباع ترامب أنه قُتل، فيما ذكرت التحقيقات الفيدرالية خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن أنه مات منتحراً.