
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمحرر العلوم، إيان سامبل، قال فيه إن العلماء عثروا على أول دليل قاطع على أن جينات الأفراد تؤثر على احتمالية إصابتهم بالتهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضلات أو متلازمة التعب المزمن (ME/CFS)، وهو مرض غامض ومُنهك أُهمل ونُبذ لعقود من قبل الكثيرين في المجتمع الطبي.
حددت النتائج الأولية لأكبر دراسة عالمية حول جينات هذه الحالة ثماني مناطق من الجينوم البشري تختلف اختلافا جوهريا لدى الأشخاص الذين شُخِّصوا بمتلازمة التعب المزمن مقارنة بغير المصابين بها.
يشير هذا الاكتشاف إلى أن العديد من المتغيرات الجينية الشائعة بين السكان تزيد من خطر الإصابة بالمرض، على الرغم من أن العديد من الأشخاص سيحملون هذه المتغيرات ولن يُصابوا به أبدا.
وصف البروفيسور كريس بونتينغ، الباحث في دراسة DecodeME بجامعة إدنبرة، النتائج بأنها "جرس إنذار" يُظهر أن جينات الشخص قد "تُرجِّح كفة" احتمالية إصابته بمتلازمة التعب المزمن.
قال بونتينغ: "تُقدم هذه النتائج أول دليل قوي على المساهمات الجينية في مرض التعب المزمن.. هناك العديد من المتغيرات الجينية التي تنطبق على الجينوم، والتي تُعرّض الأشخاص لتشخيص إصابتهم بمرض التعب المزمن".
هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتطوير اختبارات تشخيصية أو فحوصات لتحديد الأشخاص المعرضين لخطر كبير للإصابة بمتلازمة التعب المزمن. لكن العلماء وصفوا هذا العمل بأنه إنجاز وضع المرض على قدم المساواة مع الأمراض المُنهكة الأخرى، وفتح آفاقا محتملة للعلاجات.
قالت سونيا شودري، الرئيسة التنفيذية لمنظمة "Action for ME" والباحثة المشاركة في مشروع "DecodeME": "هذا يُضيف حقا مصداقية وصدقية للأشخاص المصابين بمتلازمة التعب المزمن. نعلم أن العديد من الأشخاص قد تلقوا تعليقات مثل 'متلازمة التعب المزمن ليست حقيقية'. لقد ذهبوا إلى الأطباء، ولم يُصدّقوا أو قيل لهم إنها ليست مرضا حقيقيا".
على الرغم من تاريخها الطويل، لا يفهم العلماء سوى القليل جدا عن أسباب متلازمة التعب المزمن، مع أن معظم المرضى يُبلغون عن إصابتهم قبل ظهور الأعراض لأول مرة. تشمل الأعراض الشائعة التعب الشديد، ومشاكل النوم، وضبابية الدماغ، وتفاقم الأعراض بعد الأنشطة البدنية أو العقلية، والمعروفة باسم الضيق التالي للجهد، والتي قد يستغرق التعافي منها أسابيع.
تشير التقديرات إلى أن 67 مليون شخص مصابون بمتلازمة التعب المزمن، بتكلفة سنوية على الاقتصاد العالمي تبلغ عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية. في المملكة المتحدة، تُقدر الخسائر الاقتصادية السنوية بأكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني. لا يوجد اختبار أو علاج لهذا المرض.
أُطلقت دراسة DecodeME، وهي تعاون بين جامعة إدنبرة وجمعيات خيرية تُعنى بمتلازمة التعب المزمن والمرضى، في عام 2022 لاستكشاف ما إذا كانت الجينات تلعب دورا في من يُصاب بمتلازمة التعب المزمن. وفي أحدث هذه الدراسات، حلل الباحثون 15,579 عينة من الحمض النووي من 27,000 شخص مصاب بمتلازمة التعب المزمن، وأكثر من 250,000 شخص غير مصاب بالمرض.
تحتوي المناطق الجينية الثماني التي برزت لدى المصابين بمتلازمة التعب المزمن على جينات تُشارك في الدفاعات المناعية والجهاز العصبي. سيتطلب الأمر مزيدا من العمل لفهم التركيبة البيولوجية، ولكن بعض المتغيرات الجينية قد تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن من خلال إضعاف قدرتهم على مكافحة الالتهابات البكتيرية والفيروسية. ويُعرف اختلاف جيني آخر يُلاحظ في متلازمة التعب المزمن لدى الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن، وهو أحد الأعراض التي يعاني منها أيضا العديد من المصابين بمتلازمة التعب المزمن. قال بونتينغ: "بشكل عام، ما يحدث هنا هو أن الجينات تتوافق مع كيفية وصف المصابين بمتلازمة التعب المزمن لمرضهم".
وقال آندي ديفيروكس كوك، الباحث المشارك في مشروع DecodeMe، إن النتائج ستكون بالغة الأهمية للمرضى. وأضاف: "لقد تم التخلي عن الغالبية العظمى من المرضى بشكل أو بآخر، من قِبل العائلات والحكومة والنظام الطبي. سيكون هذا هائلا للمرضى. على الرغم من أنه لا يقدم جميع الإجابات ولا يُقدم مساعدة عملية، إلا أنه يُمثل خطوة مرحب بها نحو تغيير الوضع".
من بين العديد من الأسئلة المتبقية هو لماذا تؤثر متلازمة التعب المزمن على النساء أكثر بكثير من الرجال. التشخيصات أكثر شيوعا بأربع مرات لدى النساء، لكن الدراسة لم تجد أي تفسير وراثي. سؤال آخر هو ما إذا كان كوفيد الطويل يتداخل مع متلازمة التعب المزمن. في حين أن العديد من الأعراض متشابهة، لم يجد الباحثون أي صلة وراثية بين الاثنين. قال بونتينغ: "أحد أهم الأشياء التي نقوم بها هو تمكين الآخرين من استخدام مناهجهم المختلفة لطرح السؤال نفسه والإجابة عليه".
قالت البروفيسورة آن مكاردل، التي تدرس متلازمة التعب المزمن في جامعة ليفربول، إن النتائج، التي لم تُنشر بعد في مجلة محكمة، قدمت "أساسا متينا" للعمل المستقبلي الذي من المأمول أن يساعد في تسريع تطوير علاج لهذا المرض المدمر.
استخدمت الدكتورة بياتا غودليوسكا، التي تدرس متلازمة التعب المزمن في جامعة أكسفورد، مؤخرا التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي لمسح أدمغة الأشخاص المصابين بمتلازمة التعب المزمن وكوفيد الطويل. أولئك الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن، ولكن ليس لفترة طويلة، كانت لديهم مستويات عالية من اللاكتات في القشرة الحزامية الأمامية، وهي منطقة دماغية تدمج المعلومات المتعلقة بالجهد والعاطفة. يشير هذا إلى اضطراب في استقلاب الطاقة في الدماغ، وخلل في الميتوكوندريا، وهي هياكل تشبه البطاريات وتوفر الطاقة داخل الخلايا.
قالت غودليوسكا: "من المحزن حقا أن المصابين بمتلازمة التعب المزمن لا يزالون لا يُصدقون وأن هذا المرض قد أُهمل إلى حد كبير، خاصة فيما يتعلق بتمويل الأبحاث. نأمل أن تُسهم هذه الدراسة في مكافحة وصمة العار المرتبطة بهذا المرض، وإقناع ممولي الأبحاث بأن هذه حالة بيولوجية حقيقية".