Akhbar Alsabah اخبار الصباح

كورونا والنموذج الكوري الجنوبي

كورونا والنموذج الكوري الجنوبي تغنى الكثيرون بالنموذج الصيني في التعامل مع أزمة كورونا، والذي اعتمد أساساً على إدارة مركزية تشمل إجراءات في غاية الصرامة نفذت بالقوة تقريباً، ما أدى إلى تراجع وتيرة انتشار المرض، وفق الإحصاءات الرسمية الصينية على أقل تقدير.

لكن هناك نموذج آخر ازداد الحديث عنه مؤخراً، وهو نموذج كوريا الجنوبية، التي كانت البؤرة الأولى للمرض خارج الصين مسجلة في بعض الاوقات أكثر من 800 حالة جديدة يومياً، بينما تراجعت مؤخراً إلى أقل من 100 حالة يومياً لأربعة أيام متواصلة.

تسجيل عدد قليل من المرضى الجدد ليس هو المعيار الأهم لأي دولة، كما كنتُ ذكرتُ سابقاً، فهو قابل للتبدل كما أن هناك ما هو اهم، وهو نسبة الوفيات.
بمعنى، ليس المهم عدد المرضى بل حالاتهم.

المعروف أن الانفلونزا نفسها تسبب الوفاة بنسبة قريبة من %1 من المصابين، بينما راج عن كورونا في البداية أنه يسبب الوفاة لحوالي % 2.2 من المرضى، ثم عدلت هذه النسبة في بعض الحالات إلى %4، ثم ذكرت بعض التقارير الأخيرة نسباً أكبر من ذلك في بعض الدول.
في حالة كوريا الجنوبية، نسبة الوفاة من بين الأقل عالمياً إن لم تكن الأدنى على الإطلاق.
فقد سجلت كوريا البارحة/الأربعاء عدداً إجمالياً للمصابين بلغ 8413 حالة من بينهم 84 حالة وفاة بنسبة 9 في الألف أي %00.9

على ماذا قام النموذج الكوري؟
بالتأكيد إرشادات بالإجراءات الوقائية وتجنب الاحتكاك والتزام البيوت ما أمكن
ولكن دون حظر تجول وإغلاق للمناطق كما فعلت الصين
إتاحة المعلومات للشعب والمشاركة العامة
نشر الفحص على نطاق واسع، بحيث يجرى على حوالي 10 آلاف شخص يومياً، ولديها القدرة على إجرائه لحوالي 15 ألف شخص يومياً، بعد ان أسست له مراكز كثيرة نشرتها في مختلف المناطق وهو فحص طور ليصدر النتيجة خلال ساعات وليس أيام
كما أنه يجرى على كل مشتبه به أو من احتك مع مريض مجاناً
وقد سُهّل إجراؤه بشكل كبير جداً
فالسلطات تتصل على جميع الأشخاص المحتكين مع المرضى وتجري الفحوص لهم
بعد أن تكون رصدت تحركات المصاب خلال الأيام الـ14 السابقة، من خلال متابعة هاتفه الجوال وبطاقته الائتمانية وصور الكاميرات..الخ
ثم تنشر المعلومات المتوفرة على مواقعها مع رسائل تحذيرية عند رصد أي حالة جديدة في منطقة ما
وكانت كوريا الجنوبية قد استفادت من ازمتها خلال انتشار فيروس "ميرس" حين عانت من نقص في مواد واجهزة الفحص، فسرّعت هذه المرة إجراءات إنتاجها، فرفعت من قدراتها على المتابعة والتشخيص بشكل كبير باكراً

الآن، ما الذي استفادته كوريا الجنوبية تحديداً من التوسع في إجراء الفحوصات؟
أولاً، التعرف اكثر على الفيروس، سرعة انتشاره، خطورته، جديته، سير المرض، مناطق انتشاره، نسبة الوفيات....الخ
ثانياً، التشخيص المبكر وبالتالي العلاج المبكر
ثالثاً، حالة وعي شعبية اكبر ومشاركة الناس بشكل فاعل
رابعاً، عزلت الحالات المشتبه بها في مرافق خاصة بدلاً من المستشفيات والمنازل
خامساً، بالتالي، إمكانية محاصرة المرض بشكل اكثر قاعلية وسرعة

النقطة الأهم يالنسبة لي في كل ذلك أن نسبة الوفيات في كوريا الجنوبية منخفضة جداً كما ذكرت، ولعلها الأدنى في العالم. هناك أسباب كثيرة نوقشت من بينها سن المرضى والتدخين وما إلى ذلك، لكنها لا تكفي لتفسير الأمر، بل لعل بعضها يتضارب مع الواقع، حيث إن نسبة الإصابة لديها بين الشباب أكبر.
باعتقادي السبب الرئيس هو التوسع في عمل الفحص، وبالتالي اقتراب عدد "المعلن عنه" او "المشخّص" من إصابات من "عدد المرضى الصحيح" على أرض الواقع، من خلال شمل الحالات الخفيفة التي لا تشخصها الدول الأخرى التي تحدد إجراء الفحص بالحالات المتقدمة فقط أو ليس لديها الإمكانات لإجراء عدد كبير منها.
بمعنى آخر، في معظم الدول، "تبدو" نسبة الوفيات كبيرة نسبياً لأن نسبة المشخّصين بالمرض أقل بكثير من عددهم الحقيقي.
بينما في كوريا الجنوبية العدد المعلن عنه أقرب للحقيقة، لذلك تبدو نسبة الوفيات أقل بكثير، وهي الأقرب للصحة برأيي.

وهذا ما يعيدنا لتقييم أؤمن به منذ بدايات انتشار المرض
أنه فيروس أخطر من الانفلونزا بسبب الطفرة، سرعة انتشاره كبيرة، لكنه ليس بنفس درجة الخطورة التي تروجها وسائل الإعلام قاصدة كانت أم غير قاصدة
وأن نسبة الوفاة منه أعلى بالتأكيد من نسبة الوفيات من الانفلونزا العادية لكنها ليست أعلى بدرجة كارثية
وأن الخطورة الأساسية من المرض على الدول اقتصادية بالدرجة الأولى، ثم هناك خشية انهيار النظام الصحي تحت الضغط في حال خرجت الامور عن السيطرة
أما فردياً، على مستوى الأشخاص، فالفيروس يحتاج للإجراءات الوقائية والحذر والوعي، لكنه ليس فتاكاً بالدرجة المتصورة
باستثناء كبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة و/أو ضعف في المناعة،
شأن أي فيروس آخر يتسبب بمرض معد

ما سبق دفع مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبرييسوس إلى دعوة الدول لاعتبار كوريا الجنوبية مثالاً يحتذى. قائلاً: "قبل شهر، واجهت جمهورية كوريا تسارعاً في تفشي الفيروس بين المجتمع، لكنها لم تستسلم. لقد قامت بتعليم وتمكين وإشراك المجتمعات، ثم طورت استراتيجية اختبار مبكرة ووسعت سعة المختبر وقننت استخدام الأقنعة".
سياسة | المصدر: سعيد وليد الحاج | تاريخ النشر : الخميس 19 مارس 2020
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com