Akhbar Alsabah اخبار الصباح

هل سيصبر المصريون على فشل السيسي؟

سدّ النهضة ما زال مستقبل مصر المائي على المحك، بسبب تعامل السيسي مع الملف باستخفاف، مهدرا فرص مصر وحقوقها التاريخية التي باتت، بعد توقيعه اتفاق المبادئ مع إثيوبيا، مجرد أطلال من الماضي.

ومؤخرًا فشلت اجتماعات اللجان الفنية والقانونية بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سدّ النهضة، التي انعقدت في العاصمة السودانية الخرطوم يومي الأربعاء والخميس الماضيين، في حلّ أبرز المشاكل التي كان من المقرر التوصل إلى حلول نهائية بشأنها قبل جولة التفاوض المرتقبة في واشنطن، يومي 28 و29 من شهر يناير الحالي، والتي سافر وزيرا الخارجية والري المصريين سامح شكري ومحمد عبد العاطي أمس الأحد لحضورها. وتهدف جولة واشنطن إلى الخروج باتفاق نهائي ملزم لجميع أطراف الأزمة حول قواعد الملء والتخزين وتدابير الجفاف.

فلم يتم الاتفاق بشأن ثلاث مسائل رئيسية، الأولى المعايير الرقمية لاتخاذ هذه التدابير بهيدرولوجيا النيل الأزرق والجدول الزمني للملء الأول للسدّ، والثانية طبيعة التدابير الواجب اتخاذها في فترات الجفاف، والثالثة وضع آلية تنسيق فعالة ودائمة لفضّ المنازعات.

فالجانب الإثيوبي “لا يزال متمسكا بوضع جدول زمني محدود للغاية لا يزيد على سبع سنوات لملء السد بشكل كامل ومستديم، لإنتاج أكبر قدرٍ من الكهرباء، والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026 على أقل تقدير.

وإزاء هذا الطرح، فالخرطوم ليس لديها مشكلة في قبول الطرح الإثيوبي، وترى أنها محكومة بالاتفاق على الملء في شهور الفيضان فقط، لكن القاهرة قلقة من عودة أديس أبابا للملء دون ضوابط في أي مرحلة لاحقة بحجة سيادتها المطلقة على السدّ”.

هذه الإشكالية، تجعل مصر تتمسك برفض ربط مسألة الملء بعددٍ معين من السنوات، وتحاول استمالة إثيوبيا إلى موقفها، بالقول إنه لا توجد لدى القاهرة مشكلة في الملء السريع، حتى ولو خلال فترة أقل من أربع سنوات، ما دامت مناسيب المياه في السدود الأخرى لا تتأخر، والمقصود بها بالطبع السد العالي في أسوان..

وأمام استمرار الخلاف بين المسئولين الفنيين في الدول الثلاث حول هذه النقطة، تعرضت المناقشات لما يشبه الجمود، على الرغم من أنها كانت تسير في ثلاثة خطوط متوازية، نظرًا لترتب المسألتين الأخريين، هما تدابير الجفاف، وآلية فضّ النزاعات والتنسيق، على المسألة الأولى الخاصة بالمعايير الرقمية والجدول الزمني.

توافق إثيوبي سوداني

وشدد التوافق الإثيوبي السوداني في واشنطن على ضرورة إبقاء منسوب المياه في بحيرة سدّ النهضة أعلى من 595 مترا فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء، وهو أمر رفضته مصر لأنها رأت أنه غير عادل إذا انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 مترا.

هذه المسألة الخلافية حاولت المناقشات الفنية التوصل إلى حل بشأنها، لتطبيق البند الرابع من الاتفاق التمهيدي الذي جرى التوصل إليه في واشنطن الأسبوع الماضي، والذي ينص على ملء البحيرة بعد إتمام الملء الأول والوصول إلى المنسوب المطلوب لتوليد المياه على مراحل تبعاً لظروف هيدرولوجيا النيل الأزرق ومستوى بحيرة السدّ.

وتهدف هذه الخطوة إلى الحفاظ على وتيرة وصول المياه إلى السودان ومصر، من دون تحديد المنسوب المقبول في البحيرة مستقبلاً، أو حتى المنسوب الذي يجب الحفاظ عليه في الخزانات الأخرى.

وعن آلية التنسيق وفضّ النزاع، قالت المصادر إنها ليست بسيطة وستكون مركبة، فمن المقرر حتى الآن أن تضم مسارات عدة، وهناك معالم اتفاق على عقد اجتماعين دوريين سنوياً بين وزراء الخارجية والمياه في كل من الدول الثلاث تقدم فيها أديس أبابا خطة الملء الخاصة بها، وتعرض فيها مصر مخاوفها ومحاذيرها المختلفة.

على الرغم من ذلك، هناك بعض الخلافات تكمن في رغبة إثيوبيا في إبعاد وزراء الخارجية عن النقاشات الفنية، وهناك مقترحات أخرى بأن تُشكَّل لجنة فنية خالصة من الدول الثلاث لمتابعة حالة النيل ومدى التزام كل طرف تعهداته. كذلك توجد خلافات أخرى حول اللجوء إلى دول أو مكاتب استشارية لفضّ النزاعات، حيث ترغب مصر في استمرار الاعتماد على البنك الدولي والولايات المتحدة في هذا المجال، بينما تعرض إثيوبيا إدخال طرف إفريقي.

واتفق وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، على ست نقاط أساسية للبناء عليها لإنتاج اتفاق نهائي هذا الشهر. وعلى الرغم من أهميتها، واعتبار البيان أنها تمثّل “تقدّما محرزًا على صعيد النقاشات الفنية”، إلا أن هذه النقاط ليست حاسمة للشواغل الرئيسية لمصر في ما يتعلق بالتدابير الواجب اتخاذها في فترات الجفاف، بل إنها تضمن للإثيوبيين الوصول بمستوى المياه في بحيرة السد إلى 595 مترا فوق سطح البحر، بشكلٍ سريع، بما يساعد على التوليد المبكر للكهرباء.

وفشلت اجتماعات واشنطن السابقة في حسم ثلاث مشاكل أساسية: أُولاها استمرار عدم الاتفاق على آلية واضحة لوقاية مصر من الأضرار في فترات الجفاف بإرجائها لمفاوضات لاحقة، واستمرار الخلاف حول طبيعة آلية التنسيق التي كان من المقرر التوافق عليها بحلول منتصف الشهر الحالي، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية في التاسع من ديسمبر2019، وذلك في ظل إصرار أديس أبابا على حقها السيادي المطلق في إدارة السدّ. أما المشكلة الثالثة، فهي الفشل في الاتفاق على آلية محددة لحسم النزاعات، بما في ذلك العجز عن التوافق على تفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ التي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير الاتفاقية أو تنفيذها، ودّياً، من خلال استدعاء طرفٍ رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة للنظر فيها من قبل رؤساء الدول أو الحكومات.

فشل المفاوضات وعبث السيسي

وكانت قد اندلعت أزمة بعد جولة التفاوض الفني الرابعة في أديس أبابا، عندما رفضت إثيوبيا المقترح المصري الذي يتمسك بتدفق 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق سنوياً، وهو متوسط إيراد النهر في أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد، استدلالاً بما حدث في الفترة بين عامي 1979 و1987.

وقالت إثيوبيا، إن المقترح المصري يتطلب ملء سدّ النهضة في فترة بين 12 و21 عامًا، وكانت قبلها تقول إنها تتوقع التوصل إلى اتفاق بالنظر لحالة فيضان النيل في السنوات الحالية. وأكدت أديس أبابا تمسكها بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 مترا قد يؤدي إلى حرمانها إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة؛ نظرًا لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.

وكان د.عصام حجي، عالم الفضاء بوكالة ناسا والمختص بدراسة المياه، قد استنكر تعامل عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، مع أزمة سد النهضة، مؤكدا أنه تعامل معها باستخفاف شديد، محملا السيسي المسئولية عن أزمة سد النهضة.

وعرض حجي، خلال حوار له مع برنامج “المسائية” على قناة الجزيرة مباشر، 3 صور التقطت من الفضاء لمكان بناء سد النهضة في أعوام 2010 و2014 و2020، تؤكد أن البناء الفعلي للسد بدأ في عام 2014، أي بعد رحيل الرئيس الشهيد محمد مرسي عن الحكم.

وقال حجي: إن التخبط الإعلامي حول ملف سد النهضة يرجع إلى غياب العلماء في الإعلام لدعم موقف مصر العلمي “السليم والقوي” حول خطورة السد على أمنها المائي، في الوقت الذي دفعت فيه إثيوبيا بعلمائها إلى الواجهة إعلاميًا وغربيًا للدفاع عن مشروعهم.

وهاجم حجي التعاطي الإعلامي مع أزمة سد النهضة وتعمد تغييب الوعي الشعبي بشأن الأزمة، كما انتقد عدم إدراك نظام السيسي خطورة الملف والتعامل معه باستخفاف، محذرًا من العبث بمنظومة نهر النيل التي ستنتهي “بتدمير” مصر وإثيوبيا نتيجة طول فترات الجفاف في السيناريوهات الأسوأ لملء السد. مشيرا إلى أن العبث بنهر النيل يهدد الأمن المائي والغذائي لدول المصب، كما يهدد منظومة النيل الفريدة والتي يزيد عمرها عن 30 مليون سنة، بـ”الانقراض”، مؤكدًا أن السد لا يهدد مصر بالعطش وإنما بالجوع؛ حيث لا تمثل مياه الشرب سوى 10% فقط من حصة مصر المائية سنويًا، أما القطاع الزراعي فهو الأكثر تضررًا؛ ما يؤدي إلى تآكل المساحات الزراعية وتصحر الكثير منها، وظهور أزمات غذائية وفي قطاعات الطاقة والصحة، بالإضافة لارتفاع نسب البطالة والهجرة الجماعية.
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : الثلاثاء 28 يناير 2020
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com