Akhbar Alsabah اخبار الصباح

هل باع أردوغان الثورة السورية؟

الثورة السورية لم يسلم الرئيس التركي أردوغان من سهام النقد التي طالته عقب زيارته إلى روسيا أواخر أغسطس الماضي، والتي شوهد فيها يتجاذب أطراف الحديث مع الرئيس الروسي بوتين، ويتناولا المرطبات في ظل أجواء حميمية، بينما كانت طائرات النظام السوري تدك قرى سورية في إدلب، تمهيدا لعملية عسكرية باتجاه مدينة معرة النعمان لاستكمال السيطرة على أوتوستراد (حماة-حلب). ومن جهة أخرى فقد فشل بعض المدافعون عن أردوغان في تبرير تلك الزيارة وتوقيتها، وتلا ذلك قيام عدة تظاهرات على الحدود السورية بالتزامن مع حرق صور للرئيس التركي أردوغان في تظاهرات أخرى بإدلب اتهمته ببيع الثورة السورية، الأمر الذي أربك المشهد السياسي ودفعه إلى مزيد من التعقيد.

بداية التصعيد
منذ دخول روسيا بقواتها إلى ساحة المعركة في سوريا أواخر عام 2015، والدفة تحولت تدريجيا لجانب النظام، واستمرت روسيا في عملية استرجاع المناطق المحررة من قبل الجيش السوري الحر، حتى انتهت بما حدث شتاء 2016، والتي تم دك كل المناطق التي يسيطر عليها الثوار في ريف حلب، وانتهت بانسحابهم إلى إدلب، المحافظة الوحيدة المحررة بالكامل، وفي بداية 2017 بذلت تركيا جهود دبلوماسية لخفض التصعيد في باقي المناطق، ومع سقوط معظم المناطق المحررة في يد روسيا تمسك أردوغان بمنع أي اجتياح لإدلب لتصفية الثورة السورية نهائيا، وتذرع بعدم قدرته على تحمل تركيا للمزيد من اللاجئين، لدرجة أنه هدد أوروبا بفتح الحدود معها حال الاجتياح الروسي لإدلب، مما دفع ميركل عام 2018 للضغط على بوتين لمنع ذلك الاجتياح، كما نجح أردوغان في عقد اتفاق لنشر قوات تركية لعمل نقاط مراقبة في إدلب، تمهيدا لفتح طريقي الأوتوستراد حلب حماة وحلب اللاذقية.

لماذا دخلت روسيا إلى سوريا؟
مع فشل الوصول لإتفاق مع روسيا حول تل رفعت أو إدلب، كثفت تركيا من مفاوضتها الدبلوماسية مع أمريكا من أجل الدخول لمنطقة شرق الفرات ومنبج، في إطار حربها على حزب العمال الكردستاني وأذرعه المختلفة
تمثل سوريا محور استراتيجي لروسيا على مختلف الأصعدة، فتاريخيا مثل التحالف الإستراتيجي بينهما منذ منتصف الخمسينات رمانة الميزان لتلك المنطقة، فبعد فشل ستالين الحصول على قاعدة عسكرية في مضائق تركيا أو في ليبيا، كانت الموانئ السورية هي البديل الأنسب للأسطول الروسي، وفي ظل دخول قوات المارينز الأمريكية لبنان عام 1958، فضلا عن تهديدات الحكومة التركية عام 1957 (والموالية لأمريكا حينئذ) للنظام السوري بالاجتياح بسبب دعمهم للأكراد.

ومن ناحية أخرى فقد شهد القرن الحالي زيادة الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي لسوريا، بعد محاولة الدول الغربية عام 2009 تمديد خط غاز من ساحل الخليج العربي إلى أوروبا، مرورا بالأردن وسوريا وتركيا، إلا أن وجود نفوذ روسي في سوريا قد عرقل ذلك المشروع الضخم، والذي كان سيؤثر في حال إتمامه على الهيمنة الروسية على سوق الغاز في شرق ووسط أوروبا، لذلك تم إيقاف المشروع بعد ضغوط روسية.

خطة أمريكا في سوريا
كانت أمريكا تخطط لغلق الباب أمام موسكو لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وهو ما تكلل بدعم الاحتجاجات في أوكرانيا بداية 2014، والتي انتهت بوصول حكومة موالية للغرب إلى سدة الحكم في أوكرانيا، ومن ناحية أخرى كان المشروع الأمريكي يعتمد على تسليح الثوار السوريين بأسلحة نوعية تمهيدا لإسقاط نظام الأسد وإستبداله بنظام موال لأمريكا في محاولة لتمرير أنبوب الغاز الخليجي لأوروبا عبر سوريا، وهو ما ظهرت أثاره في تقدم الثوار في الشمال والوسط بشكل ملحوظ منتصف 2015، وتكلل بتحرير كامل محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حمص وحماة وحلب، والتقدم إلى ريف اللاذقية حيث معقل الطائفة العلوية الحاكمة، فضلا عن تحرير الثوار لأحياء من دمشق.

لكن الرد الروسي على تسليح الثوار السوريين كان مفاجئا، حيث أرسل بوتين قواته في أكتوبر 2015 إلى سوريا مدعوما بأحدث الأسلحة من الترسانة الروسية، والتي رفضت روسيا إرسالها لجيش النظام السوري خشية سقوطها كغنائم في أيادي الثوار، وأدى دخول الجيش الروسي لساحة المعركة إلى تحول كفة القتال لصالحه، مما دفع رئيس تركيا أردوغان للضغط على بوتين من أجل إيقاف القتال ومنع خسارة المزيد من الأراضي المحررة، خصوصا إدلب التي تمثل عمقا استراتيجيا لتركيا بسبب ملاصقتها لحدودها، لكن النظام السوري وروسيا تعللتا بأن بقاء إدلب خارج سيطرة حكومة دمشق يعرقل ربط العاصمة الاقتصادية حلب بمدن حماة واللاذقية وباقي مدن الساحل السوري، فضلا عن سيطرة هيئة تحرير الشام على غالبية الأراضي المحررة، والتي لها روابط تاريخية بتنظيم القاعدة، لكن الجهود الدبلوماسية التركية نجحت في التوصل مع الجانب الروسي لإتفاق يقضي بإدماج هيئة تحرير الشام والفصائل السورية الأخرى في فصيل واحد، فضلا عن سحب أسلحة الفصائل السورية الثقيلة من الشريط الحدودي الفاصل بين إدلب وباقي الأراضي السورية، وإنتهاءا بالعمل على فتح أوتوستراد (حلب-حماة) و(حلب-اللاذقية) بإشراف تركي.

هيئة تحرير الشام ترفض اتفاق أستانة
مع استلام تركيا لمنظومة صواريخ (إس-400) في يوليو الماضي، قامت أمريكا بوقف تصدير طائرات (إف35) لتركيا، فكان الرد التركي أن البدائل المتاحة كثيرة
منذ أكثر من سنتين تحاول الدول الضامنة لإتفاق أستانة محاولة تطبيق الاتفاق إلا أن هيئة تحرير الشام رفضت ذلك الاتفاق وقامت في بداية 2019 بضم المزيد من الأراضي من الفصائل السورية الأخرى، الأمر الذي زاد من تعقيد الموقف، حيث اتهمت روسيا الحكومة التركية بالتهاون مع هيئة تحرير الشام، وهو ما دفعهم لدعم بعض الأكراد في منطقة تل رفعت في حلب كنوع من الضغط على تركيا، حيث حاولت تركيا ضم تل رفعت للمنطقة المحررة في الشمال إبان عملية غصن الزيتون (مارس 2018)، حيث تربط تل رفعت منطقة درع الفرات بمنطقة عفرين، كما تسمح بفتح الطريق البري بين جنوب تركيا إلى حلب.

إلا أن تضارب المصالح في تلك المنطقة قد أشعل الموقف، فقد رفضت إيران دخول تركيا وفصائل الجيش الحر لمنطقة تل رفعت، بسبب قربها من مقري شيعية (نُبل والزهراء) حيث تخشي إيران من تكرار أزمة قريتي كفريا والفوعة الشيعتين في إدلب 2017، والتي قبلت حينها إيران والنظام السوري بتهجير سكانها للجنوب مقابل ترحيل ثوار مضايا والزبداني المحاصرين إلى إدلب. ومن جهة أخرى فقد أدى فشل المفاوضات بين تركيا وروسيا حول إدلب في مارس الماضي إلى بدء العمليات المسلحة من جانب روسيا والقوات السورية ضد الفصائل الجهادية في إدلب، مما دفع تركيا (بحسب رويترز) لتسليح بعض الفصائل القريبة منها بالمدرعات وصواريخ تاون لصد الهجوم الروسي.

تركيا والمفاوضات مع أمريكا
ومع فشل الوصول لإتفاق مع روسيا حول تل رفعت أو إدلب، كثفت تركيا من مفاوضتها الدبلوماسية مع أمريكا من أجل الدخول لمنطقة شرق الفرات ومنبج، في إطار حربها على حزب العمال الكردستاني وأذرعه المختلفة، وفي حال دخول تركيا لمنبج فإن الأكراد المدعومين من روسيا في تل رفعت سيصبحوا محاصرين من الشمال والشرق والغرب، وحينها لا تحتاج تركيا للتنازل عن جسر الشغور (القريبة من اللاذقية وقاعدة حميميم الجوية الروسية)، في مقابل انسحاب روسيا من تل رفعت، وحينها فقط ستحترق ورقة روسيا التفاوضية، وهو ما تخشاه روسيا مما دفعها لتكشيف هجماتها على إدلب في محاولة للضغط على تركيا وحلفائها للقبول بالشروط الروسية، وفي نفس السياق زاد جيش النظام السوري من ضرباته وقام بتكثيف هجماته في المدن الواقعة حول أوتوستراد (حلب-حماة) وتمكن النظام من احتلال منطقة خان شيخون الاستراتيجية. وفي ظل رفض هيئة تحرير الشام الانسحاب لمسافة 20 كم بالأسلحة الثقيلة أو فتح طريقي الأوتوستراد أو الإندماج مع باقي الفصائل السورية تحت إشراف تركي، باتت مهمة تركيا صعبة لحل تلك المعضلة.

تحالف تركيا مع روسيا
وفي ظل الخلاف الكبير بين بوتين وأردوغان حول سوريا، فإن التحالف بينهما يعتبر ضروة ملحة في ظل تزايد الضغوط الغربية على كل من تركيا وروسيا، حيث دعمت أمريكا الاحتجاجات الأوكرانية عام 2014، والتي أدت لوصول حكومة موالية للغرب على بعد 500 كم من موسكو، تمهيدا لدخولها لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فيما دعمت أمريكا محاولة انقلاب عسكري فاشل في تركيا صيف 2016، لذلك أصبح إقامة تحالف بين تركيا وروسيا في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي ضرورة ملحة لكل منها. ومع استلام تركيا لمنظومة صواريخ (إس-400) في يوليو الماضي، قامت أمريكا بوقف تصدير طائرات (إف35) لتركيا، فكان الرد التركي أن البدائل المتاحة كثيرة. وفي أواخر أغسطس الماضي، وبالتزامن مع اجتماع قمة السبع الاقتصادية في فرنسا (والتي طردت منها روسيا عام 2014 بعد ضمها للقرم) زار أردوغان روسيا للمشاركة في معرض الطيران الدولي، حيث أرسل أردوغان رسالة للتحالف الغربي بأن تركيا تنوي شراء طائرات الشبح الروسية سو57، كبديل لطائرات إف 35. وختاما فإن تضارب المصالح بين كل من تركيا وروسيا وإيران، فضلا عن رفض هيئة تحرير الشام التجاوب مع نتائج مفاوضات أستانا، يصب في صالح استمرار النزاع والخاسر الوحيد هو الشعب السوري.
سياسة | المصدر: معتز علي | تاريخ النشر : الثلاثاء 10 سبتمبر 2019
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com