كشف مصدر أمني مصري مطلع عن أنّ فكرة إنشاء شركة نقل تشاركي تابعة لجهاز الاستخبارات المصرية، والتي تمثّلت أخيراً بمشروع "دابسي"، هي فكرة قديمة وطُرحت أكثر من مرة داخل الجهاز، ولكنها رُفضت لأسباب لوجستية وتقنية، فضلاً عن شكوك حول جدوى المشروع. وكان الجيش المصري حاول إبعاد نفسه عن الملف، نافياً امتلاكه هذه الشركة. لكن المصدر، الذي يعمل في إحدى "الجهات السيادية"، تحدّث لـ"العربي الجديد" شريطة عدم ذكر اسمه أو صفته، عن المشروع الذي أُعلن عنه أخيراً تحت مسمى "دابسي"، وقال إنّ الفريق الجديد الذي يعمل داخل الاستخبارات العامة والذي ظهر مع صعود نجل عبد الفتاح السيسي، العميد محمود السيسي، داخل الجهاز، هو الذي عجّل بطرح الفكرة للبدء في تنفيذها.
وأضاف المصدر أنه فضلاً عن المكاسب المادية المنتظرة من مشروع النقل التشاركي الجديد، هناك أيضاً أهداف أخرى استخباراتية، وهي الأهم بالنسبة للجهاز الذي يديره فعلياً نجل السيسي، بعد تراجع دور مديره اللواء عباس كامل في الملفات الداخلية، وبات تركيزه في العمل على الملفات الخارجية، مثل الملف السوداني والليبي والفلسطيني وغيرها.
وأوضح المصدر أنّ التخطيط الاستراتيجي داخل جهاز الاستخبارات يقوم على فكرة أن توظّف الشركة مائة ألف سائق للعمل لديها، وتزوّد السيارات بكاميرات مراقبة تسجل بالصوت والصورة. كما أنه من خلال عروض أسعار مخفضة تنافس شركتي "أوبر" و"كريم"، يسعى الجهاز إلى أن يقوم مستخدمو النقل الجماعي في مصر، وتقدر أعدادهم بالملايين، باستبدال تطبيقي الشركتين الأخيرتين بتطبيق "دابسي"، وبالتالي تكون لدى الجهاز بيانات ملايين من المصريين وتحركاتهم اليومية، إضافة إلى ما يتم تسجيله داخل السيارة من حوارات ونقاشات مع السائقين بالصوت والصورة. وبذلك تكون لدى الأجهزة الأمنية صورة كاملة عن توجهات وأفكار الملايين، يمكن من خلالها رصد أي ظواهر اجتماعية يمكن أن تهدد أمن النظام مبكراً والتعامل معها.
الجدير بالذكر أنّ شركة "أوبر مصر" قد اعترضت على مادة في قانون النقل التشاركي تتيح للحكومة الحصول على بيانات المستخدمين. وفي أثناء مناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة للنقل البري باستخدام التكنولوجيا، العام الماضي، في اجتماع بلجنة النقل بمجلس النواب شارك فيه ممثلو شركتي "أوبر" و"كريم"، تحفّظت رنا قرطام، مديرة السياسات في شركة "أوبر"، على عدد من مواد مشروع القانون، خصوصاً المتعلقة بربط البيانات والتي اعتبرتها اختراقاً للخصوصية التي يكفلها الدستور.
كما اعترضت قرطام على المادة التاسعة من مشروع القانون التي تُلزم الشركات المرخص لها بإجراء ربط إلكتروني بين قواعد البيانات الخاصة بها مع الجهات المختصة، والتي لم يحددها القانون، وفق قولها، موضحةً "عندنا أكثر من 4 ملايين مستخدم و150 ألف سائق، بياناتهم أمانة ونلتزم بحمايتها". وشددت على ضرورة توافر أمر قضائي مسبب لتقدّم الشركة بيانات ومعلومات للجهات الأمنية.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد كشفت في يونيو/ حزيران عام 2017، عن أنّ الحكومة المصرية طلبت من "أوبر" و"كريم" منحها إمكانية الاطلاع على خريطة المتابعة الحية لكل رحلاتها، وهو ما رفضته شركة "أوبر"، ولم يكتمل التعاون مع شركة "كريم". وبحسب الصحيفة الأميركية، طلب الجانب المصري إمكانية الولوج إلى الخريطة الحية للرحلات، ومنح وعوداً لشركة كريم بـ"معاملة تفضيلية" مقابل منحه حق الولوج إلى بيانات المستخدمين.
وفي السياق، قال المصدر الأمني الذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، إنّ إنشاء شركة تنافس "أوبر" و"كريم" وتكون تابعة للدولة المصرية "أمر جيد"، مؤكداً أنّ بيانات المستخدمين ستكون في أيد أمينة، إضافة إلى الفائدة المادية التي ستعود على الدولة. ولكنه أضاف في الوقت ذاته، أنّ هناك صعوبات فعلية على أرض الواقع قد تعطّل المشروع، على رأسها تشبُّع السوق، لا سيما بعد استحواذ "أوبر" على "كريم" واحتكارها للسوق، فضلاً عن احتمال توجُّس المستخدمين من الشركة الجديدة، خصوصاً مع انتشار الحديث حول ملكيتها للدولة، وذلك ما حدث في السابق مع شركة الاتصالات "We"، والتي لم تحقق المرجو منها في ضمّ عدد كبير من المشتركين الذين فضّلوا البقاء مع شركاتهم الأصلية.
وتتيح شركة "دابسي" الجديدة طلب سيارات خاصة ودراجات نارية وحافلات ويخوت وطائرات عبْر أنظمة تشغيل "أندرويد" و"آيفون"، وذلك في ثلاث مدن رئيسية كمرحلة أولى، هي القاهرة (العاصمة)، وشرم الشيخ (جنوب سيناء)، والغردقة (البحر الأحمر).
ووفقاً لمصادر مطلعة في الشركة، فإنها مملوكة بالكامل لعسكريين حاليين وسابقين، وتستهدف تشغيل 100 ألف سائق قبل الإعلان عن بدء عملها رسمياً، بعدما اجتمع ممثلو الشركة مع وكلاء شركتي "أوبر" و"كريم" المنافستين، لتحديد آليات ضم السائقين من خلالها، مقابل تقديم رواتب للأخيرين تصل إلى 6 آلاف جنيه (نحو 362 دولاراً أميركياً) شهرياً.
واشترطت "دابسي" لانضمام السائقين إليها، شهادة المؤهل الدراسي، و4 صور شخصية، وإجراء تحليل مخدرات بمعمل "فاست سكان"، وفحصاً فنياً للسيارة بقيمة ألف جنيه، إلى جانب رخصة السائق والسيارة، واعدةً المتقدمين للعمل معها بإتاحة تأمينات اجتماعية وطبية لهم، وحوافز للحاصلين منهم على تقييمات عالية.
وأكدت الشركة في بيان، الثلاثاء الماضي، أنها "قررت بدء العمل في سوق خدمات النقل الذكي عبر المحمول، بطاقات بشرية كبرى تلبّي طموح السوق المصري، متلافيةً المشكلات التي أبدتها شريحة كبيرة من المتعاملين بعد دراستها جيداً، ووضع حلول ملائمة لها". وأضافت أنّ رأس مالها "مصري بالكامل، لرجال أعمال مصريين مدنيين وطنيين"، مؤكدةً أنّ "ما تداولته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بشراكة جهاز الخدمة الوطنية في الشركة أو ملكيتها للحكومة المصرية، أمر غير صحيح على الإطلاق".
وذكرت الشركة أنّ المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير، "بما لديه من خبرات كمحاضر وخبير في مجال التنمية البشرية، سيشغل منصب رئيس قطاع تطوير الموارد البشرية بالشركة، وضمن مجلس إدارتها"، مضيفةً أنه "سيهتمّ بشكل أساسي بالإشراف على تطوير أداء العناصر البشرية ضمن الشركة، وبيئة العمل بها". غير أن سمير أعلن بعد ذلك عدم قبوله للمنصب.
لوجستياً، طلبت الشركة من كل مكتب من مكاتب الوكلاء، ضمّ 100 سائق كحدّ أدنى للعمل معها من خلال التطبيق الخاص بها. وأعلنت في اجتماع عقدته مع الوكلاء الذين يعملون بالأساس مع شركتي "أوبر" و"كريم" في أحد فنادق القاهرة الأسبوع الماضي، أنها تستهدف تنفيذ مليون رحلة خلال أول أيام عملها في السوق المصرية. ووعدت الشركة السائقين بإتاحة تأمينات اجتماعية وطبية، وحوافز لمن يتعدى تقييمهم 4.8 نجمة على التطبيق، ومساعدتهم في استبدال السيارات القديمة بأخرى حديثة، في محاولة لجذب أكبر عدد من السائقين.
وأخيراً، أكدت الشركة أنه سيتم تركيب نظام إلكتروني بسياراتها، يتضمن شبكة إنترنت مجاني (واي فاي) للكابتن والعميل، وكاميرا لمراقبة "سلوكيات الجانبين"، بحسب ما نشرته مواقع إلكترونية مصرية تابعة لأجهزة الاستخبارات، ومنها موقع "الوطن".
والمعروف في مصر أنّ أجهزة الأمن تحرص دائماً على الاتصال بسائقي سيارات الأجرة حتى قبل ظهور شركات النقل التشاركي الإلكتروني. وهو ما أكده أحد السائقين، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، قائلاً "هناك الكثير من سائقي التاكسي وأوبر يتواصلون مع الأمن الوطني بشكل منتظم"، مشيراً إلى أنّ "وزارة الداخلية أحياناً كثيرة تكلف هؤلاء السائقين بمهام محددة، مثل الدفاع عن سياسات الدولة والحديث عن إنجازاتها أثناء التحدّث مع الزبائن".
وفي إبريل/ نيسان من العام الماضي، شنّت الإدارة العامة للمرور في وزارة الداخلية المصرية حملة أمنية واسعة ضدّ العاملين في شركتي "أوبر" و"كريم"، شملت ضبط عدد من السائقين، بدعوى أن نشاط الشركتين "غير قانوني" داخل البلاد، على الرغم من إصدار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، حكماً مؤقتاً يسمح لهما بالعمل في مجال نقل الأفراد، إلى حين فصل المحكمة الإدارية العليا في الطعن المقدم من شركة "أوبر" على حكم حظر تشغيلها الصادر في 20 مارس/ آذار 2018.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة قد قضت بإلزام الحكومة بوقف تراخيص عمل شركتي "أوبر" وكريم" العالميتين في مصر، وكذلك الشركات المحلية التي تعمل بالطريقة ذاتها، بحجة أنها تخالف القانون المصري، وذلك في الدعوى المقامة من رابطة سائقي "تاكسي القاهرة" بواسطة أحد المراكز الحقوقية.
وتستحوذ شركتا "أوبر" و"كريم" على أكثر من 50 في المائة من العمليات المنفذة لنقل الأفراد باستخدام السيارات الخاصة في مصر، غير أن شركة "أوبر" الأميركية أعلنت في وقت سابق عن استحواذها بالكامل على شركة "كريم" الإماراتية، في صفقة تقدر بنحو 3.1 مليارات دولار، مع إتمام الصفقة خلال الربع الأول من عام 2020.