Akhbar Alsabah اخبار الصباح

موسم الحج.. أفضل أيام الله

موسم الحج هكذا تتوالى رحمات الله على هذه الأمة الرائدة؛ فما بين موسمٍ رمضاني إلى موسمٍ آخر تتلألأ فيه أنوار الكرم والرحمة والكمال، آفاق تتضح أمام العاصين والمذنبين؛ فهذا ربٌّ كريم، رءوف رحيم، حليم سيِّد، يستر الذنب ولا يفضح العبد وإنْ بارزه بالمعصية، فسبحانه سبحانه!.

إنَّ هذا الموسم العظيم لهو فرحة ذهبية لهذه الأمة الإسلامية وقد اعتراها شتات وفرقة وتمزق؛ حيث تحتاج إلى تجديد عهدها مع شريعة ربِّها، مهتمة بقضاياها، باحثة عن الريادة والزعامة والقيادة.

إنَّه فرصة للوَحْدة والأُخوَّة والتعاون والألفة، فرصة للعمل والبناء والنهضة، فرصة لإعادة اللحمة لهذه الأمة من جديد، فرصة للاتفاق على العمل الجماعي المتميز لصالح الأمة.

الحج مدرسة تربوية ودعوية

ها هي القلوب تشتاق، والأفئدة تئنُّ وتحنُّ، وها هي أعناق المسلمين تشرئب من كل مكان مستبشرة باستقبال أفضل أيام الله في الدنيا، باستقبال الحج الأعظم؛ فالحج مدرسة عظيمة العطاء، واسعة الأثر.

إنَّه ذلك المؤتمر العالمي العجيب في روحانياته وأدبياته وتربوياته؛ فها هم الحجَّاج يفدون، نستشعر معهم- وإنْ مُنعنا السفر معهم- طعمَ الحج ولذته، حتى إنَّ نداءهم لَيَرِنُّ في الأذن الآن (لبيك اللهم لبيك).

نتذكر والذكرى مؤرِّقة

أتذكر ونتذكر هذا المشهد البديع، مشهدٌ جمع بين النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من كل مكان في السَّنة العاشرة من الهجرة؛ حيث حَجَّة الوداع، قلوبٌ متآلفة، وأفئدة متعانقة، إنَّها أمة واحدة كما أرادها الله.

حينما نتذكر هذا نتذكر- في ذات الوقت- هذه الجموع الباحثة عن بيت الله الحرام، القاصدة وجهه الكريم، لكنْ يفيق المرء على مشهدٍ مفزع مرعب، الأمة كثرت جراحاتها، وبكت قلوب وعيون كثير من أبنائها؛ فرقة وشتات، أحزاب وشيع وجماعات، تَنَافسٌ مذموم قاتل، واحتلال لبلدان إسلامية، ومازال- للأسف- كثير من أبناء الأمة يُلخِّص الإسلام ويوجزه في: حكم لحية، وثياب، وتحريك السبابة في التشهد، وحمل السواك...!.

لقد كان للنبي- صلى الله عليه وسلم- تلبيةٌ في وقت الحج ولَبَّت معه الأمَّة. والأمة اليوم تلبِّي نفس التلبية!، لكنْ فرق بين تلبية صوت وتلبية عمل، تلبية شكل وجوهر، تلبية نظرية وتطبيقية.

ولذا كان لابد من مدارسة أسرار الحج التربوية والبنائية؛ لتستفيد هذه الأمة محاولة البناء والنهضة؛ فالحج عبادة الزمان والمكان، عبادة البدن والمال، عبادة الجسد والروح، عبادة الفعل والترك؛ فهي مدرسة حقًّا!.

مدرسة نتعلم منها الآتي:

1. الهجرة إلى الله ورسوله؛ فهل أنت مهاجر إلى الله؟.

2. المجاهدة في طاعة الله بالابتعاد عن جوانب الدنيا.

3. تعظيم شعائر الله والتجرد الكامل لله؛ فهذا عُمر- رضي الله عنه- يُقبِّل الحَجَر مستلمًا ولا يعترض.

4. مجانبة الكِبْر والبعد عنه؛ فلا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

5. الذلة لله وللمؤمنين؛ فَصِفَة المؤمنين "التواضع والذلة" لله ولعباده من المؤمنين.

6. البراءة من الشرك وأهله.

7. تزكية النفوس وتطهيرها.

8. إعادة روح الأمة الواحدة، وإن هذه أمتكم أمة واحدة.

والسؤال: كيف نبني هذه الأمة الواحدة من جديد، من خلال روح هذا الموسم وتلك المدرسة التعبدية والعلمية والأخلاقية؟.

وحتى يتحقق ذلك فلابد من العلم بأنَّ البناء والتكوين للأمة الواحدة فرضٌ على أبناء هذه الأمة؛ حيث يقول الله تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، ويقول عزَّ وجلَّ: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ"، ويقول سبحانه عن شأن المؤمنين: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، ويقول عزَّ مِنْ قائل عن صفات الأمة الواحدة وأتباعها "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...".

وقد وردَ عند أحمد والترمذي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قول النبي- صلى الله عليه وسلَّم: "والناس بنو آدم وآدم من تراب".

وعند القُضَاعي في مسند الشهاب عن أنس بن مالك: "الناس كأسنان المشط".

وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى".

وهكذا تتضافر وتتكاثر الأدلة المقدسة الدالة على فرضية بناء الأمة الواحدة، وإليك أخي المسلم، أختي المسلمة: وسائل واقعية وعملية يمكن من خلالها إقامة هذا البناء القوي للأُمَّة:

أولًا: توحيد الكلمة مع كلمة التوحيد؛ ففي وقت ينادي مخلوقات الله بالتوحيد في موسم الحج على الأمة أنْ تعلن التوحيد في الاعتقاد والوحدة في المعاملة بينهم.

ثانيًا: وَحْدة الغاية والراية والهدف وتوحيد الصف المسلم، وإنِ اختلفت الأفكار، والاتفاق على القواسم المشتركة الجامعة للأمة.

ثالثًا: التراحم ورعاية الحقوق والتعاون الحقيقي، وتربية الأبناء والبنات على هذا المعنى بكل شفافية.

رابعًا: كَفُّ الأذى بعضنا عن بعض؛ فالمسلم- الحقيقي- مَنْ سَلِم المسلمون من لسانه ويده.

فإنْ تحققت هذه الوسائل كان الحج كما أراده الله؛ مدرسةً حقيقية يتخرج فيها المسلمون كل عام وهم أكثر محبة وأُخُوَّة وتعاونًا وبناءً ونهضةً وحضارةً وتقدمًا روحيًّا وإيمانيًّا وأخلاقيًّا وعلميًّا وثقافيًّا وفكريًّا.

وكانت الأمة أكثر قربًا من تحقيق النصر والعزة، وتحقيق الانتصار على الأعداء.

وفَرْقٌ بين الأُمَّة يوم أنْ تأخذ بأمر الله من الإعداد والالتحام، وبين أنْ تتراجع عن هذا الدور العظيم، ورحم الله الإمام محمد عبده، ذهب إلى الغرب في زيارة ثم عاد يقول:

"عندما زرت الغرب وجدت 100 أسطول ودينهم يقول: إذا ضربت على خدك الأيمن فَأدِرْ لهم خدَّك الأيسر، وعندما رجعت لبلادي وجدت 100 مسطولٍ ودينهم يقول لهم: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".

فهلَّا عدنا إلى المجد والعزة والخيرية يا أمة الخيرية؟!.
إسلامنا | المصدر: الإسلام اليوم - عادل هندي | تاريخ النشر : الأحد 21 اكتوبر 2012
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com