Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الإسلام و معاداة النصارى

النصارى يُصيب الإسلامَ أحيانًا بعضُ رذاذِ المتعصبين الذين يتهمونه بالتعصب ضد النصارى، والتحريض على عداوتهم، ويستدلون على دعواهم الكاذبة بآيات من القرآن لم يفهموها، أو تعمَّدُوا تشويه معناها؛ ومن هذه الآيات ما جاء يحرِّم موالاة غير المسلمين، مثل قوله تعالى في سورة آل عمران: {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28]. وقال تعالى في سورة النساء: {لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 144].

تناول هؤلاء المتعصبون هذه الآيات وشبيهاتها، وصوَّروها على أنها تدعو إلى معاداة النصارى، ولو كانوا من مواطني دولة الإسلام.

ولكن الحقيقة أنَّ للآيات معنًى مختلفًا تمامًا، يُدركه مَنْ درس أسباب نزول الآيات، وحركة بناء الدولة الإسلامية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يظهر له ما يأتي:

أولاً: أن النهي إنما هو عن اتخاذ المخالفين أولياء بوصفهم جماعة متميزة بديانتها وعقائدها وأفكارها وشعائرها؛ أي بوصفهم يهودًا أو نصارى أو مجوسًا أو نحو ذلك، لا بوصفهم جيرانًا أو زملاء أو مواطنين. والمفروض أن يكون ولاء المسلم للأُمَّة المسلمة وحدها، ومن هنا جاء التحذير في عدد من الآيات من اتخاذهم أولياء: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي أنه يتودَّد إليهم ويتقرَّب لهم على حساب جماعته.

ولا يرضى نظام ديني ولا وضعي لأحدٍ من أتباعه أن يَدَعَ جماعته التي ينتسب إليها، ويعيش بها؛ ليجعل ولاءه لجماعة أخرى من دونها، وهذا ما يُعَبَّر عنه بلغة الوطنيَّة بالخيانة.

ثانيًا: أن الموادَّة التي نهت عنها الآيات ليست هي مُوَادَّة أيّ مخالف في الدين، ولو كان سلمًا للمسلمين وذمة لهم، إنما هي مُوَادَّة مَنْ آذى المسلمين وحادَّ الله ورسوله؛ ومما يدل على ذلك:

(أ) قوله تعالى في سورة المجادلة: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]. ومُحادَّة الله ورسوله ليست مجرَّد الكفر بهما، بل محاربة دعوتهما، والوقوف في وجهها، وإيذاء أهلها.

(ب) قوله تعالى في مستهل سورة الممتحنة: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} [الممتحنة: 1]. فالآية تُعَلِّل تحريم الموالاة، أو الإلقاء بالمودة إلى المشركين بأمرَيْن مجتمعين: كفرهم بالإسلام، وإخراجهم للرسول والمؤمنين من ديارهم بغير حقٍّ.

(ج) قوله تعالى في السورة نفسها: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]، فقَسَّم المخالفين في الدين إلى فريقين:

- فريق كان سِلمًا للمسلمين لم يقاتلهم في الدين، ولم يُخرجهم من ديارهم؛ فهؤلاء لهم حقُّ البرِّ والإقساط إليهم.

- وفريق اتخذوا موقف العداوة والمحادَّة للمسلمين -بالقتال أو الإخراج من الديار، أو المظاهرة والمعاونة على ذلك- فهؤلاء يُحرم موالاتهم، مثل: مشركي مكة الذين ذاق المسلمون على أيديهم الويلات. ومفهوم هذا النص أن الفريق الآخر لا تحرم موالاته.

ثالثًا: أن الإسلام أباح للمسلم التزوُّج من أهل الكتاب، والحياة الزوجية يجب أن تقوم على السكون النفسي والمودة والرحمة، كما دَلَّ على ذلك القرآن في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]. وهذا يدلُّ على أن مُوَادَّة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها، وكيف لا يُوَادُّ الرجل زوجته إذا كانت كتابيَّة؟ وكيف لا يُوَادُّ الولد جدَّه وجدته وخاله وخالته إذا كانت أُمُّه نصرانية؟

رابعًا: أن الحقيقة التي لا شَكَّ فيها أن الإسلام يُؤَكِّد إعلاء الرابطة الدينية على كل رابطة سواها؛ سواء أكانت رابطة نسبية أم إقليمية أم عنصرية أم طبقية؛ فالمسلم أخو المسلم، والمؤمنون إخوة، والمسلمون أُمَّة واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على مَنْ سواهم. والمسلم أقرب إلى المسلم من أي كافر، ولو كان أباه أو ابنه أو أخاه.

وهذا ليس في الإسلام وحده.. بل هي طبيعة كل دين، وكل عقيدة، ومَنْ قرأ الإنجيل وجده يُؤَكِّد هذا المعنى في أكثر من موقف.

خامسًا: وإضافة لما سبق فإن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة الصحابة والتابعين تمثِّل التطبيق العملي لما ذكرناه، وقد مرَّ بنا في هذا الكتاب صور شتى كلها في غاية الروعة لتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين على شتى مللهم ونحلهم، وبصرف النظر عن أعراقهم وأصولهم.

إننا نستطيع -دون تردُّد- أن نجزم أنه ليس في الأرض تشريعٌ أَمَرَ بحسن معاملة الآخرين كدين الإسلام، ولعلَّ هذا من أقوى الأدلة على أنه دينٌ من رب العالمين.

كتاب (مستقبل النصارى في الدولة الإسلامية).
إسلامنا | المصدر: د. راغب السرجاني | تاريخ النشر : الأحد 23 سبتمبر 2012
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com