Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الانفعال الإسلامي في مواجهة العنصرية الغربية

العنصرية الغربية انفعل الملايين من المسلمين وغاروا على دينهم وعلى رسولهم- صلى الله عليه وسلم-، وخرجوا في مدن وعواصم عربية وإسلامية كثيرة؛ رافضين الفيلم الحقير المسيء لرسول الإسلام- صلى الله عليه وسلم- وهذا الانفعال العربي والإسلامي نابع، بصفة أساسية، من تدين هؤلاء الذين تظاهروا محتجين، ونابع من حبهم لرسولهم وغيرتهم عليه وعلى دينهم، ونابع أيضًا من أن هذه الشعوب شعوب حية تغار على الدين والعرض وتغضب وتزأر إذا انتهكت الحرمات والمقدسات.

لكنْ يقابل هذه الغيرة العربية الإسلامية برودٌ غربي ناتج من عدم الغيرة على الدين والعِرض؛ فالشخصية الغربية لا تغار على دينٍ ولا تغار على عرض؛ الإنسان الغربي لا يغار على دينه لأنَّ مفهوم الدين عنده غير مفهوم الدين عندنا؛ فالرسول عندنا تأتي قداسته من أنَّه مبلِغٌ عن الله، وأنَّه يوحَى إليه، وأنَّه لا يُصدِر عن الهوى أبدًا، وإنَّما يلتزم بالوحي، وأنَّ الله عصمه لكي يبلغ هذا الوحي، وأنَّ الوحي الذي بلَّغه لنا عن ربه تَمَّ حفظه بالحرف بل بشكل الحرف، بينما هذا كله غير موجود في الغرب؛ فهم ينتقدون المسيح، ويسيئون إليه، ولا تتمعَّر وجوههم نتيجة لذلك، ويتعاملون مع كتابهم المقدس- نتيجة لما أصابه من تحريف- كما لو كان كتابًا أدبيًّا؛ فيعمِلون فيه أدوات النقد الأدبي.

والدين لم يتغلغل في حياة الغربيين فيمنعهم عن معاقرة الخمور؛ فالصغير والكبير، والذكر والأنثى فيهم يعاقر الخمور صباح مساء. والدين لم يصرف الغربيين عن فعل الفاحشة؛ لذلك انتشر الزنا فيهم بما هو معروف عنهم. والدين لم يمنع الغربيين من ظلم أنفسهم بالربا؛ حيث أصبحوا من أكثر الأمم التي مارست هذا الظلم الاقتصادي. والدين لم يتغلغل في نفوس الغربيين لكي يدفعهم إلى حماية الأسرة واحترامها؛ ولذلك فالأسر عندهم مفككة.

لذلك فإنَّ الغربيين يعتقدون أنَّ الدين في مجتمعاتنا مثل الدين عندهم، ويعتقدون أنَّ الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- عند المسلمين مثل المسيح- عليه السلام- عند الغربيين. لكنَّ عددًا غير قليل من علمائهم قارن بين الدين عندنا والدين عندهم فعرفوا الفرق، وأيقنوا أنَّهم ثاروا على الدين وعلى الكنيسة وأسسوا العلمانية كراهيةً في الدين وفي رجال الدين والكنيسة، في الوقت الذي أسس المسلمون فيه حضارتهم بالدين الذي أحبوه ورفعوه مكانًا عليًّا يستحقه.

وحينما تأكد الغربيون من قيمة ومكانة الدين في نفوس وعقول العرب والمسلمين؛ لذلك فقد عملوا بكل ما يملكون على تشويه الإسلام والقرآن والإساءة إلى رسول الإسلام، صلى الله عليه وسلم.

ونحن نكتشف كثرة التشويه المتعمَّد الذي جرى للإسلام في البلاد الغربية، حينما يعلن مثقف غربي إسلامه، ويؤكِّد أنَّه هَالَه كَمُّ التزييف والتشويه الذي تعمد الغربيون إلحاقه بالإسلام، فغالبية المعلومات التي استطاع جمعها عن الإسلام كانت خاطئة تمامًا وغير حقيقية.

ولعل من الأهمية تتبع أسباب هذه التشويه المتعمَّد عبر التاريخ، ومن المفيد هنا الاطلاع على ما قاله "ديفد بلانكس" و"مايكل فراستو" في مقدمة كتابهما- الذي صدر عام 1999م- عن (رؤية الغرب للإسلام في العصور الوسطى)؛ حيث يؤكِّدان أنَّ نظرة الغرب الحديثة للإسلام وُلِدت في فترة كانت علاقة أوروبا بالإسلام فيها علاقة خوفٍ وقلق؛ ما دفع الأوروبيين لتعريف الإسلام تعريفًا ضيقًا قاصرًا كدينٍ يملؤه العنف والشهوة، يقوم على الجهاد العنيف في الحياة الدنيا، والملذات الحسية الموعودة في الآخرة.

كما نظروا إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أحسن تقدير على أنَّه واحد من اثنين: إمَّا قَسٌّ كاثوليكي فشل في الترقي في سلم البابوية فقرر الثورة ضد المسيحية، أو راعي جِمَال فقير تلقَّى تعليمه على يد راهبٍ سوري؛ ليشكل دينًا جديدًا من قشور العقيدتين المسيحية واليهودية.

ونظر الأوروبيون إلى حياة المسلمين الأخلاقية نظرةً مزدوجة؛ إذ نظروا إلى حجاب المرأة المسلمة كتعبير عن السرية والقهر والفصل بين الرجل والمرأة، وفي نفس الوقت نظروا إليه على أنَّه مصدر فجور واستباحة أخلاقية مستترة خلف الحواجز والأسوار.

وقد انتقلت هذه الصورة المشوهة إلى بعض أهم قادة الإصلاح الفكري والديني في أوروبا، وعلى رأسهم زعيم حركة الإصلاح البروتستانتي "مارتن لوثر"، الذي نظر إلى الإسلام على أنَّه حركة عنيفة تخدم أعداء المسيح لا يمكن جلبها للمسيحية؛ لأنَّها مغلقة أمام المنطق، ولكنْ يمكن فقط مقاومتها بالسيف.

وهكذا... فإنَّ القوم يصورون الإسلام تصويرًا يتنافى مع أبسط قواعد الفهم والمنطق والعدل، ولقد كان هذا الجهل مقبولًا في العصور الوسطى؛ حيث التخلف وسيطرة الكنيسة على الضمير واللسان والأذن والعقل، أمَّا في عصر الليزر والأقمار الصناعية فلا يوجد مبررٌ واحد لتشويه الإسلام، وتقديمه إلى الناس بهذه الصورة التي تنم عن الكراهية، والحقد، وعن التطرف، والتعصب؛ فلا يكاد يخلو بلد أوروبي من الملايين أو الألوف من المسلمين الذين يمارسون شعائرهم علانية أمام وسائل الإعلام، لكنَّ الإصرار على تشويه الإسلام أصبح جزءًا من التكوين النفسي والعقلي لأي مسيحي أوروبي.

فهل يتصور مسلم أنَّهم في ألمانيا يقولون: إنَّ المسلمين يعبدون 99 إلهًا، أي يعبدون أسماء الله الحسنى؟! ويقولون أيضًا: إنَّ المسلمين يعبدون الجمل؟!.

لقد سافرتْ إحدى الأكاديميات المصريات إلى فرنسا في مهمة رسمية، وفوجئت بمن يسألها هل أنتِ مسلمة أم محمدية؟ فقالت: وما الفرق بين الاثنين؟! قالوا لها: المسلم هو الذي يعبد الشمس، أمَّا المحمدي فهو الذي يعبد محمدًا.

يقول البريطاني "بيتر مانسفيلد"- أحد المعلقين في هيئة الإذاعة البريطانية-: إنَّ كثيرًا من الأمريكيين يقولون عن النبي محمد: إنَّه قَسٌّ أمريكي زنجي... ويقولون عن الإسلام: إنَّه حركة ماسونية أمريكية.

واستمعَ مسلم إلى إحدى المدَرِّسات الأمريكيات وهي تشرح لتلاميذها السبب الذي من أجله حرَّمَ الإسلامُ أكْل الخنزير وشرب الخمر، فتقول:

"إنَّ محمدًا حرَّمهما لأنَّه ذات ليلة سَكِر سكرًا شديدًا، وبينما هو عائد إلى بيته نطحه خنزير فأوقعه أرضًا، ومنذ ذلك اليوم حرَّمَ محمدٌ الخنزير والخمر. فقال لها المسلم: هذه خرافة، فردت قائلة: إنَّهم يطلبون منَّا أنْ نقول ذلك، وأنا موظفة أتعيش بمثل هذا الكلام.

إنَّهم يفعلون ذلك لأنَّهم يرون أنَّ الإسلام هو المستقبل الحقيقي بعد سقوط كل الأيديولوجيات، وكلما تقدم كلما تراجعت عقائد الكنيسة.

وقد انتشرت في الغرب- أخيرًا- الديانات القادمة من أقصى الشرق كالهندوكية والبوذية؛ ففوجئ الناس بأنَّ المسيحية القائمة عندهم ما هي إلا نسخة مكررة من هذه العقائد الوثنية القديمة، وأخذوا يفكرون في أصل هذه الديانات كلها فوجدوا أنَّه الإسلام... الدين الوحيد المؤهَّل للقيادة؛ لذلك خرجت كل المؤسسات القديمة من جحورها، واستخرجت أسوأ ما في مخازنها من أسلحة، إلَّا أنَّ الناس أصبحت لا تتأثر بها، وهذه المؤسسات لا تقتصر على الكنيسة؛ إنَّها مؤسسات ثقافية وسياسية واجتماعية. ولكنَّ الله متمُّ نورِه.

الغرب يستغل إمكاناته المادية الهائلة ويسخرها لتشويه الإسلام رغم ما بأهْله من ضعف وتفكك وهوان، إنَّهم يُسخِّرون كبريات الصحف، والقنوات الفضائية، ومحطات الإذاعة، وكبريات دور النشر، ومدن صناعة الأفلام والسينما؛ ليبثوا الشبهات والأراجيف عن الإسلام، والمسلمين، والعقائد الإسلامية، والفكر الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والواقع الإسلامي.

ويتعمدون- بحقد وإصرار- الربط بين الإسلام والإرهاب، ويتعمدون أيضًا الربط بين الإسلام والتأخُّر الثقافي والصناعي في بلاد المسلمين.

لقد اقتصرت صورة الإسلام في الثقافة الغربية على: صورة الحجاب، والسيف، والعمامة، والجهاد الإسلامي، حاليًّا صار التركيز على: القنبلة، واللحية، والعِمامة.

الإعلام الأمريكي- مثلًا- يصوِّر العرب وكأنَّهم كتلة واحدة وشيء واحد، وهو دائمًا يروِّج لما استنتجته إحدى معلمات التاريخ بولاية كاليفورنيا، التي سألت مجموعة من التلاميذ عن تصورهم للعرب، فكانت أجوبتهم أنَّهم قوم رُحَّل، ذوو لِحًى طويلة، يسكنون الخيام، ويرعون الإبل، وهم متعطشون للقتل، مُولَعون بالنساء، ويتاجرون بالرقيق.

كما أنَّ جهودَ الحركة الصهيونية وإسرائيل في زيادة تشويه الصورة العربية الإسلامية في الغرب- معروفةٌ ومتوقعة، وقد ساهمت في تعقيد الأمور، وحافظت على هذا الزخم والخلط والتشويه، بل غذَّته ورعته.

وهكذا، فإنَّه من الصعب للغاية- بالنسبة لغربي لا يحسن اللغة العربية، ويعيش في بيئة لا تخفي عداوتها للإسلام- أنْ تكون له فكرة دقيقة عن ماهيَّة الإسلام؛ إذ ما يتعلمه هذا الشخص وما يسمعه في بلاده، وما يقرؤه من مؤلفات- يسهم في تشويه صورة هذا الدين؛ لأنَّ الكثير من المستشرقين الملمِّين بالرسالة المحمدية لا يفهمون الإسلام إلَّا كما يتمنون أنْ يكون بدلًا مما هو عليه بالفعل.

وعليه.. فإنَّ حملات تشويه وتجريح الإسلام، والإساءة إلى رسوله، صلى الله عليه وسلم، في الغرب- يجب أنْ يكون أسلوبُ مواجهتها هو التوضيح وإيصال رسالة الإسلام الحقيقية إلى الذين يجهلون الكثير عن هذا الدين العظيم وعن رسوله خاتم الأنبياء.

والواقع، أنَّ المسئول عن هذا الجهل بالإسلام وبرسوله- صلى الله عليه وسلم- هم المسلمون الذين أخفقوا وفشلوا في محاورة الآخر وتبصيره بحقيقة الإسلام، رغم أنَّهم يمتلكون الوسائل والأموال والكوادر البشرية الضرورية لهذه الغاية.

فقد كان من المفترَض- منذ وقت طويل- أنْ تكون لدى الأمة خططٌ ودراسات منهجية وعمل مؤسسي؛ للرد المنطقي والعلمي على ما يطرحه الغرب من شبهات وأراجيف وشكوك في الإسلام والمسلمين.

ولكنْ كان أسلوبنا المفضَّل هو أنَّنا بقينا طويلًا نخاطب أنفسنا خطابًا داخليًّا، ولم نأخذ بطبيعة وعالمية الدين.
إسلامنا | المصدر: الإسلام اليوم - السيد أبو داود | تاريخ النشر : الخميس 20 سبتمبر 2012
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com