Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الدكتور صلاح سلطان يوجه رسالة قوية للثوار

الدكتور صلاح سلطان جدد الدكتور صلاح سلطان، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اعتزازه بالمشاركة في "رابعة والنهضة والفتح دفاعًا عن الصوت الانتخابي في مواجهة السوط الانقلابي"، مضيفًا: "ولا زلت لا يحرِّق قلبي ويؤرق مضجعي سجن ولا سجان، بل صرخات بناتي اللاتي هتك الفاجرون أعراضهن في مصر وسوريا وغيرها، واعتداءات الصهاينة بمباركة عملائهم على الأقصى والقدس وغزة وفلسطين، يؤرقني ما أراه دومًا من آثار التعذيب البشع على أجساد إخواني وأبنائي".

وأعرب سلطان، في الرسالة التي نشرها عبر عدد من حسابات أصدقائه وتلاميذه، عن أسفه لاستجداء الأمة الغذاء والكساء والدواء من ألد الأعداء، وتسويغ من انتسبوا زورًا إلى العلم والعلماء لجرائم الطغاة الظالمين".

وفي أحد أهم جوانب الرسالة قال: "يحزنني صمت جموع الصالحين، ومعاناة قليل من الصادقين، وخلافات دعاة مصلحين، والإبطاء عن تقييم ما سبق، ورؤية للخروج من المأزق، وخطة للعمل المستقبلي، وتلك هي الحالقة".

وجاءت رسالة الدكتور صلاح الدين سلطان متزامنةً مع "الذكرى الثالثة" لاعتقاله بسجون النظام الانقلابي في مصر.

نص الرسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

"وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴿١٢٨﴾"..

إلى كل إنسان صدق في حب الرحمن، وعشق تحرير الإنسان والأوطان..

إلى أمة المليار وسبعمائة مليون كالأيتام على مأدبة اللئام..

إلى زوجتي الطاهرة، وأولادي فلذات أكبادي، وأساتذتي وطلابي وإخواني وأخواتي الأوفياء الأتقياء الأنقياء..

إلى الأحرار الأبرار الأخيار في أرض القدس وفلسطين المرابطين في مواجهة الصهاينة والمتصهينين..

السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فإني أكتب إليكم من سجن الليمان المشدد بوادي النطرون في صحراء مصر، عنبر (12) شديد الخطورة لأهتف من أعماق قلبي أنشودة الأشواق ولن تحول بيننا الأشواك أن أقول: إني أحبكم في الله تعالى، وشأني معكم كما قال الشاعر:

لغة الكلام كما رأيت على فمي ... خجلى ولولا الحب لم أتكلم

أكتب لكم اليوم 21/12/1437- 23/9/2016 في الذكرى الثالثة لسجني ظلمًا وعدوانًا، عشت بين الجدران والقضبان وقسوة السجان، ومرت علينا أهوال من التعذيب والتجويع، والتهديد والترويع ولا زلنا- بفضل الرحمن- نتحدى كل بغي وعدوان، وظلم وطغيان، ونعلن "فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" والسبب "إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا" ولا زلنا نردد في عزة وإباء، وشموخ ومضاء قول الشاعر:

أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟

أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟

كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني

لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني

أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ

فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني

لقد حكموا علي بالإعدام، ألقوني في أضيق مكان، بلا كهرباء ولا غطاء، ولا حمام ولا ماء، إلا زجاجة لا تكفي لوضوء أو سقاء، فما انحنيت لخطب، ولا رجوت إلا ربي القوي العزيز الواحد القهار، وظل عنوان محنتنا "إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"، ودعاؤنا "أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" فأفاض علينا الرحمن بأنهار من العطاء؛ منها ما يلي:

أولاً: أكبر المنح الربانية روحيًّا.. هنا عرفت ربي الرحيم الودود، وذقت بحق حلاوة حبه وقربه، وشعرت بالسكينة والطمأنينة تملأ نفسي، وتشرح صدري، وتنير قلبي، وتريح عقلي، ولم يعد يشغلني متى ولا كيف أخرج مخرج صدق، فقد بعت نفسي لربي، ووكلت أمري كله لربي، فلم أعد أبالي إلا: كيف أرضيك ربي، وأحظى بالنظر إلى وجهك الكريم مع أحبتي فيك ربي، وركزت همي في السير إلى ربي، واللحاق بركب النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقًا.

ثانيًا: أعظم المنح الربانية أخلاقيًّا.. زادتنا المحنة – بفضل ربي- قوة ورسوخاً في المبادئ والقيم الإيمانية والأخلاقية "كعودٍ زاده الإحراق طيبا" فلم تداهمنا خطرة، ولم تساورنا فكرة أن نتراجع أو نهين، أو نضعف أو نستكين، وظل شعارنا "إِنَّا إِلَى اللَّـهِ رَاغِبُونَ"، ونحمد الله أن واتتنا الفرصة الإلهية كي نقدم التضحيات رخيصة في سبيل الله وأن نتحمل برجولة كل ألوان الحرمان، وأن نؤثر على أنفسنا ولو كان بنا خصاصة فذقنا حلاوة السمو الأخلاقي في الإستغناء عن عرض الدنيا، فزادنا ربنا ذلة للمؤمنين وعزة على الطغاة الظالمين، فلم ننكسر ويقيننا أننا بإذن الله سننتصر.

ثالثًا: أعمق المنح الربانية علميًّا.. حلقت- بفضل الرحمن- بكل همة بجناحي التعلم والتعبد في أوسع الآفاق في مقام "فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ" وإذا بفيض من "وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا" في أكثر من ألف صفحة في التفسير الأصولي والمنهجي وأخرى في المقاصد والشرح الأصولي للأحاديث النبوية، وتأليف قصص قصيرة منها: قطر الندى، والحُب قبل الحَب، وحفيدتي في السجن، وصورة ابنتي، والعنكبوت الصامد، وكان أبوهما صالحًا، وذاكرت للماجستير في القانون الدولي لولا منعي قسرًا من دخول الامتحانات وقاربت على الانتهاء من دكتوراه جديدة في التفسير، وتوسعت في القراءات الأدبية والسياسية والإدارية.

رابعًا: أوسع المنح الربانية أسريًّا.. ظفرنا – برحمة من الله تعالى – بشهيد إلى أعلى الجنات بإذن الله، قتله الظالمون بعد تعذيبه، وجاءتني التهنئة من أسرتي الصامدة "مبروك عليك الشفاعة، لقد ارتقى زوج أختك إلى الفردوس الأعلى" وهو أرقى وأنقي عائلتنا خلقًا ودينًا، فسجدت في سجني شكرًا لربي ودعوته أن يُلحقني وأسرتي وأحبتي به شهداء على أبواب الأقصى عند تحريره، وزادنا ربنا فضلا فتحسنت صحة زوجتي حبيبتي من مرض السرطان، وأخرج الله ولدي محمدا من السجون المصرية بعد أن شارف على الموت أمام عيني مرارًا من رحلة الإضراب عن الطعام وصمود عالمي زاد على الستمائة يوم، وتفوق أبنائي في أعمالهم ودراساتهم ودعوتهم، ورُزقنا بحفيد وحفيدة جديدين بجوار الحفيد الأـول، وتزوج وأنجب عدد من أبناء إخوتي الذين ضربوا المثل في الوفاء والمروءة النادرة في الأثواب الطاهرة، وتوطدت علاقتي بكل أسرتي الصابرة المحتسبة، ورزقني الله من وفاء الأهل والأبناء من صلبي وقلبي ما قرّت به عيني.

خامسًا: أوثق المنح الربانية دعويًّا.. لقد ضل من ظن أن يحبس فكرة أو دعوة، ففي السجن أكرمني الله بهداية عدد من عتاة المجرمين الجنائيين حتى صاروا يسابقونني في الصيام والقيام والذكر والقرآن، وهم عندي أغلى من الدنيا وما عليها، وفي الخارج منَّ الله عليَّ بأوسع عطاء فاصطفى لي من الأنقياء الأذكياء النبلاء من سخروا حياتهم لقراءة كتبي، ونشر رسالتي، واسترجاع مواقفي، وسماع برامجي وخطبي، وزادني ربي في العطاء، فانتُخبت من كرام العلماء- وأنا في الإعدام- عضوًا في مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وظني في ربي "أنا عند حسن ظن عبدي بي" أن يختار لي من نبغاء الشباب والفتيات، الرجال والنساء، الربانيين والربانيات من يسد ثغرتي، ويملأ فراغي وينشر رسالتي في العالمين.

ومن الصدق والواقعية أن أذكركم أنني كإنسان أضيق بقسوة الجدران والقضبان والسجان، وأعيش مرارة الحرمان من عمارة بيوت الله، والتجول بدعوة الله في العالم كله، والحرمان من نعيم الحياة في ظلال زوجتي وجنة قلبي، وأولادي فلذات أكبادي، وأبنائي وبناتي من طلاب العلم، وفرسان الدعوة، والحرمان من متعة السير في قريتي بين الخضرة اليانعة والشمس الساطعة، والسباحة في الماء، والسياحة في الأرض، ومسح رأس اليتيم، ورؤية ابتسامة الفقير والمسكين، ومع هذا كله لم أندم مرة واحدة على خير قدمته محتسبًا لربي الودود عندما تركت حدائق كولمبس وقصور الخليج وعدت مختارًا إلى أحضان مصر حبيبتي مشاركًا في ثورة 25 يناير، وخطيب الجمعة في ميدان التحرير 11/2/2011م. وعدت أستاذًا للشريعة الإسلامية في كليتي العريقة دا رالعلوم جامعة القاهرة، وأمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية (بدون راتب إن أجري إلا على الله) ومعتزًا بمشاركتي في رابعة والنهضة والفتح دفاعًا عن الصوت الانتخابي في مواجهة السوط الانقلابي، ولا زلت لا يحرِّق قلبي ويؤرق مضجعي سجن ولا سجان، بل صرخات بناتي اللاتي هتك الفاجرون أعراضهن في مصر وسوريا وغيرها، واعتداءات الصهاينة بمباركة عملائهم على الأقصى والقدس وغزة وفلسطين، يؤرقني ما أراه دوماً من آثار التعذيب البشع على أجساد إخواني وأبنائي، يؤسفني استجداء أمتي الغذاء والكساء والدواء من ألد الأعداء، وتسويغ من انتسبوا زوراً إلى العلم والعلماء لجرائم الطغاة الظالمين، يحزنني صمت جموع الصالحين، ومعاناة قليل من الصادقين، وخلافات دعاة مصلحين، والإبطاء عن تقييم ما سبق ورؤية للخروج من المأزق، وخطة للعمل المستقبلي، وتلك هي الحالقة.

أملي ورجائي من أحبتي:

1- ألا نكون سهمًا في فتنة، ولا ننسى- وفاءً- فضل السابقين، لكن دعوتنا أحب إلينا من أنفسنا، فنراجع في رفق أخطاءنا، فلسنا معصومين، ونعترف بشجاعة عن أخطائنا، ونعدِّل في ثقة مسارنا نحو الأرضي لربنا والأصلح لديننا ودعوتنا وأمتنا وأوطاننا وقدسنا "والشجاع من انتصف من نفسه".

2- صدق التحمل والأداء لرسالة الإسلام وتبليغها في جميع الأرجاء، بلا وهن أو إبطاء، وملء فراغنا لهذه الأعداد الغفيرة في السجون، في ثغرات الدعوة والتربية والتدريب لصناعة جيل النصر المنشود لتحرير الإنسان والأوطان والأقصى وفلسطين والتمكين للإسلام والمسلمين.

3- صفاء اليقين أن رب العزة منجز لنا ما وعدنا "فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" و "سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".

4- خالص الدعاء "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، وإلى لقاء في ساحات الدعوة وتحرير الإنسان والأوطان وفلسطين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : السبت 24 سبتمبر 2016
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com