نجمة داوود تتسع بإفريقيا.. والانقلاب في غيبوبة

نشرت صحيفة "الأهرام" تقريرا اليوم الخميس، عن اتساع نجمة داوود في القارة الإفريقية على حساب التواجد المصري بقيادة قائد الانقلاب العسكري، لتفقد مصر أهم محاور علاقاتها الخارجية في الحفاظ على مياه النيل، كما تنازلت من قبل لإثيوبيا عن حقها بالسماح لها ببناء السد عن طريق توقيع اتفاقية المبادئ السرية التي من شأنها أن تدمير حصة مصر من يماه النيل.

وقال التقرير المنشور على "بوابة الأهرام": "أينما يحل تحسس مياه نهرك"، لتعبر بها عن زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني، لـ4 من دول حوض النيل في إفريقيا، في أول زيارة رسمية له، خاصة أنه أكد أن زيارته " تندرج ضمن مجهود كبير للعودة إلى إفريقيا من الباب العريض"، على حساب الأجندة المصرية.

وتحدث التقرير عن الدول الأربع لزيارة رئيس الوزراء الصهيوني وهي أثيوبيا، رواندا، أوغندا، وكينيا، موضحة أنه ليس من قبيل المصادفة، أن الزيارة الرسمية الأولى لقمة البنيان الصهيوني لإفريقيا، هي للدول الأولى التي وقّعت فيما بينها على اتفاق "عنتيبي" لإعادة توزيع حصص مياه نهر النيل بين دول الحوض، بما يمثل ضغطًا على مصر، التي تعاني من نقص حصتها المائية، وزيادة سكانية تلتهم أي إجراء لتعظيم الاستفادة من موارد المياه المتاحة، كما لا يمكن إغفال أن الزيارة تأتي قبيل تشغيل المرحلة الأولى من سد النهضة بـ 3 أشهر تقريبًا.

وقال التقرير إن النفوذ الصهيوني المتنامي في القارة السمراء، لم يعد خافيًا على أحد، فدولة الصهيونية تنظر إلى القارة كمصدر للثروات، وأنها أساس وبداية تحقيق الشعار الصهيوني المعروف، "من النيل إلى الفرات"، وبالتالي لم يعد مستغربًا زيارة رئيس الوزراء الصهيوني لدول القارة السمراء، الفقيرة في نظر شعوبها، الغنية في نظرة أعدائها.

وأوضحت أن زيارة رئيس الوزراء الصهيوني جاءت تلبية لدعوة من الرئيس الكيني ورؤساء أفارقة آخرين، خلال لقاء أئمة ورجال دين أفارقة، أثناء زيارتهم للدولة الصهيونية في وفد من 6 دول، تضمنت جنوب السودان، وزامبيا، والكاميرون، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، ولأن "العالم القديم يحتضر وحان الوقت كي تغزو الدولة الصهيونية إفريقيا"-بحسب افتتاحية صحيفة معاريف- تعقيبا على زيارة "نتنياهو" لدول حوض النيل، فيبدو أن الهدف من الزيارة "الغزو" بمعناه الضمني، وهو ليس بجديد على الدولة الصهيونية.

وأشارت إلى أن إفريقيا لم تغب عن أذهان الكيان الصهيوني منذ التأسيس، فمنذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في مدينة بازل السويسرية، وعلاقات الدولة الصهيونية بالدول الأفريقية لم يخبو نجمها، ولم ينطفأ شعاعها، وكان واحد من أبرز المحاور التي تطرق لها المؤتمر حينها، كيفية تأمين مياه الدولة اليهودية التي ستقام على أرض فلسطين.

ونوهت إلى أن مؤسس الحركة الصهيونية "تيودورهرتزل" قام بمفاوضات عام 1903، مع الحكومة البريطانية، ومع المندوب السامي في مصر "اللورد كرومر"،من أجل توطين يهود العالم في شبه جزيرة سيناء، للاستيلاء على فلسطين، واستغلال مياه سيناء الجوفية، ومن بعدها مياه نهر النيل بالأساس، وهو ما يعكس وضع زعماء الحركة الصهيونية قضية المياه في المقام الأول حينما رفعوا شعار "من نهر الفرات إلى نهر النيل أرضك يا إسرائيل".

وقال التقرير إن العلاقات "الأفرو-صهيونية" تباينت قوتها على مدار عقود، منذ إعلان قيام الدولة الصهيونية عام 1948، وكانت القارة الإفريقية جنوب الصحراء بمثابة أراض مجهولة بالنسبة للعاملين في وزارة الخارجية الصهيونية، ولم ترغب الدول الإفريقية حينها في إقامة علاقات مع دولة تمتلك العديد من الأعداء،وكان ذلك مفسرًا لعدم وجود دبلوماسي صهيوني واحد مقيم شمال "جوهانسبرج".

وأوضح أن الانطلاقة الصهيونية الأولى في إفريقيا بدأت عام 1957م؛ وكانت الدولة الصهيونية أول دولة أجنبية تفتح سفارة لها في "أكرا"، بعد أقل من شهر واحد من حصول غانا على استقلالها عام 1957، ومن جهة أخرى تجسدت الرغبة الصهيونية في تأسيس علاقات قوية مع إفريقيا، بقيام جولدا مائير وزيرة الخارجية الصهيونية آنذاك عام 1958، بزيارة إفريقية لأول مرة، اجتمعت خلالها بقادة (ليبيريا - غانا - السنغال - نيجيريا -كوت ديفوار)، ثم اتجهت أنظار الكيان الصهيوني إلى إفريقيا بشكل أكبر بعد حصول عدد من الدول الإفريقية على استقلالها في الستينيات، وهو الأمر الذي دفع الدولة الصهيونية بقوة لكسب تأييد الكتلة التصويتية الأفريقية في الأمم المتحدة، عندما كان الصراع (العربي –الصهيوني) من أبرز القضايا التي تطرح للتصويت.

وبحلول عام 1966 كانت الدولة الصهيونية تحظى بتمثيل دبلوماسي في كافة الدول الإفريقية جنوب الصحراء، باستثناء تمثيلها في الصومال وموريتانيا، إلا أنه قبيل حرب أكتوبر المجيدة في عام 1973، كانت الدولة الصهيونية تقيم علاقات دبلوماسية مع 25 دولة إفريقية، تقلصت في الأول من يناير عام 1974إلى خمس دول فقط (جنوب إفريقيا– ليسوتو- مالاوي– وسوازيلاند– وموريشيوس).

وعلى الرغم من أن الموقف الإفريقي إبان حرب أكتوبر وإن كانت له دلالات سياسية ودبلوماسية واضحة من زاوية الصراع العربي الصهيوني، إلا أن الدولة الصهيونية ظلت على علاقة وثيقة - بشكل غير رسمي- مع معظم الدول الإفريقية التي قامت بقطع العلاقات معها–بشكل رسمي-إلا أن تضاعف حجم التجارة الصهيونية مع أفريقيا خلال الفترة من عام 1973 وحتى عام 1978، قد فضحت هذه المقاطعة "الزائفة"، خاصة بعدما ارتفع حجم تلك التجارة البينية من 54.8 مليون دولار إلى 104.3 مليون دولار، ارتكزت بالأساس على الزراعة والتكنولوجيا.

وفي عامي 1991 و 1992 شهدت الدولة الصهيونية مرحلة من إعادة تأسيس علاقاتها مع إفريقيا مرة أخرى، تسارعت خلالها عودة العلاقات، حتى إنه في عام 1992 قامت ثماني دول إفريقية بإعادة تطبيع علاقاتها مع الدولة الصهيونية، وطبقاً لبيانات صهيونية فإن عدد الدول الإفريقية التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية أو أسستها مع الدولة الصهيونية منذ أكتوبر 1991 قد بلغ ثلاثين دولة، وفي عام 1997 بلغ عدد الدول الإفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني 48 دولة، من أصل حوالي 60 دولة.

استخدمت الدولة الصهيونية في سبيل ترسيخ قوتها في القارة السمراء عددا من الوسائل، كان أهمها وأولها بل وأبرزها المساعـدات الاستخباراتية والتدريبات العسكرية، ومن المفارقات التي تسترعي النظر، أن الكيان الصهيوني تمتلك مصداقية كبيرة لدى الدول الإفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية، والذي برز جليا مع تنامي المد "الناصري" في إفريقيا، وتعهد الرئيس عبد الناصر بطرد الكيان الصهيوني من إفريقيا، فقامت الكيان الصهيوني على إثر التعهد المصري، بتعزيز تواجدها في إثيوبيا، وأرسلت عملاء الموساد لتدريب قوات الشرطة الإثيوبية.

وما زاد من عمق العلاقات "الأفرو –صهيونية"، أن الدولة الصهيونية أصبحت منذ زمن موردًا رئيسيًا للأسلحة والأجهزة العسكرية والعتاد الحربي، وتكنولوجيا الحرب المتطورة، والمجموعات الأمنية الخاصة بتدريب الجماعات المتمردة، لكي تكون نقطة الانطلاق للاعتداء على السودان ومصر والتجسس عليهما، وقت الحاجة.

مع دخول القرن الإفريقي أتون الصراعات – ساهم الكيان الصهيوني في تأجيجه بشكل كبير وواضح- حتى أصبح المجال مفتوحاً أمام التركيز مرة أخرى على أداة المساعدة العسكرية والاستخباراتية التي تمارسها الدولة الصهيونية في هذه المنطقة -الاستراتيجية بالنسبة لها- بسبب ارتباطها بأمن البحر الأحمر، وكذلك ارتباطها بأمن بعض الدول العربية المؤثرة مثل السودان ومصر.

ولعل من أهم أسباب تعزيز العلاقات بين الدولة الصهيونية وأثيوبيا،هو وجود جالية يهودية كبيرة في إثيوبيا متمثلة في "يهود الفلاشا"، ورغم أن الدولة الصهيونية نقلت معظمهم إليها، إلا أن بعض الإحصاءات تؤكد على وجود نحو 15 ألفاً من هـؤلاء الجالية لا يزالون يعيشون في إثيوبيا، دولة المنبع الرئيس لنهر النيل الواصل إلى مصر.

لم يعد خافيًا الآن أن هدف الدولة الصهيونية الثابت من وجودها في هذه المنطقة، هو الضغط على صانع القرار المصري، نظراً لحساسية وخطورة "ورقة المياه" في الاستراتيجية المصرية، وأطماع الدولة الصهيونية في مياه نهر النيل -النفط الأبيض-قديمة ومعروفة.

وقد ذكرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، أن الدولة الصهيونية منذ تأسيسها تحاول الحصول على مياه النيل، وسبق أن طرحت عام 1974 فكرة إعادة مدينة القدس المحتلة إلى الفلسطينيين، مقابل نقل 840 مليون م3 من مياه نهر النيل سنويًا إليها، وهذه الكمية كافية لتغطية احتياجاتها من المياه، غير أن المشروع اصطدم بمعارضة إثيوبيا والسودان في حينها، في تطبيق مواز لاتفاقية "البترول مقابل الأمن".

ويرجع تركيز الدولة الصهيونية الآن على إثيوبيا، لتأثير التواجد العسكري الصهيوني الكبير فيها، ولأنها تقود التمرد -بعناية واحترافية- على اتفاقيتي 1929و1959التي تثبتان أحقية مصر في مياه النيل، وتؤكدان على حق مصر في الاعتراض "فيتو" على إقامة أي مشروعات على نهر النيل تأثر على حصص مياه النهر.

لذا ومع التغلغل الصهيوني في إفريقيا، ودعمه لحركات التمرد، وزيادة تجارة السلاح، والضغط على موارد المياه في القارة السمراء، بما يمثل حربا باردة مع دول المصب، عند هذا يجب أن ندرك بعض من الأهداف "الجلية" لزيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني لـ 4 من دول حوض النيل، والخشية مما لم يظهر، والذي يبدو أنه أعظم!.