Akhbar Alsabah اخبار الصباح

هل يخلف جمال مبارك عبدالفتاح السيسي في حكم مصر؟

جمال مبارك عبدالفتاح السيسي لا تندهش من السؤال في هذا العنوان، فقد كتبت في هذا المكان يوم 18 أبريل 2015 (أي قبل نحو خمسة أشهر كاملة) مقالا بعنوان: «اتفاق دايتون السوري.. وإعادة ترتيب البيت العربي) كشفت فيه عن بدء التجهيز في عواصم غربية وإقليمية متعددة لاتفاق (للتسوية لا للسلام) في سوريا على غرار اتفاق دايتون الخاص بالبوسنة والهرسك.

وقلت إن هذا الاتفاق سيجعل سوريا مثل البوسنة، عبارة عن دولة هشة ضعيفة مكونة من العديد من العرقيات بلا لون ولا طعم.. ولا دور في منطقتها أو محيطها الإقليمي. وبعد كل تلك الشهور يبدو أن توقعاتي يصدقها الواقع، فالجميع يتحدث حاليا عن الحل السياسي، لكن أحدا لا يحدد لنا هوية هذا الحل. إنه «دايتون» يا سادة! وما أدراكم ما «دايتون»؟!

إنه الاتفاق الذي أُبرم في مدينة دايتون الأميركية عام 1995 وأنشأ كياناً شبه فيدرالي جمع الشرائح المتصارعة الثلاث (البوشناق والكروات وصرب البوسنة) في شبه دولة واحدة بنظام دوري للرئاسة، وبتوزيع بالغ الدقة للمناصب تظهر فيه الأمور وكأنها تقف على حافة الانهيار طوال الوقت!
اليوم بات «اتفاق دايتون» ليس مرشحا لسوريا وحدها ولكن لكل الدول العربية التي تستعر فيها حروب أهلية وصراعات على الحكم وثورات شعبية. هذا -في تقديري- مخطط غربي-أميركي- إيراني (برعاية صهيونية وتحت إشراف شرطي المنطقة الجديد في إيران) بعد إشعال فتيل أزمات المنطقة بدعم النظم المستبدة القمعية ضد طموحات شعوبها في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

تقديري، أن حسابات الغرب لا تضع وزنا كبيرا لشعوب المنطقة وتعتمد على سياسات الأنظمة التي تتولى قمع تلك الشعوب ومنعها من المشاركة الحقيقية في صياغة مستقبلها. ويبدو أن هذا الأمر نقطة ضعف خطيرة في استراتيجية القوى الدولية النافذة والمتحكمة في مصائر المنطقة.
سؤال آخر يطرح نفسه: هل الوضع في مصر يمكن أن يقود في النهاية إلى تسوية على غرار اتفاق «دايتون» وهل أدركت الولايات المتحدة -التي تمتلك النسبة الأكبر من أوراق اللعبة في المنطقة- أن نظام السيسي العسكري سوف يضر بمصالحها على المدى المتوسط وربما القريب؟
يبدو أن هناك مؤشرات -بل وتلميحات بشكل مباشر وغير مباشر- تفيد أن واشنطن لا ترغب في وجود نظام عسكري في سدة الحكم في مصر في المستقبل، وأن المزاج العام في عواصم خليجية مختلفة لم يعد يساند السيسي بنفس القوة التي سانده بها في البداية، ولم يتبق للسيسي سوى تلك المساندة الصلبة والقوية من جانب حليفه في تل أبيب وبخبث شديد من جانب نظام الملالي في إيران!!

يضاف إلى ذلك، أن نظام السيسي الانقلابي يرتكب جرائم كبرى في حق الشعب المصري، وأن تلك الجرائم تتكشف وتتضح للمواطن المصري العادي بحيث يزداد الاحتقان بين قطاعات كبيرة من المصريين، ويتراكم هذا الاحتقان ليصنع «خميرة ثورة كبرى» يمكن أن تطيح بأسس النظام المصري الذي حافظ على المصالح الغربية والأميركية طوال العقود الماضية ليحل محله «نظام شعبي حقيقي» لا يعمل على صيانة تلك المصالح، بل ربما يدخل في عداء شديد مع الغرب نظرا لدوره في إجهاض ثورة 25 يناير 2011 ودعم الانقلاب العسكري والثورة المضادة لطموحات الشعب المصري.

نتيجة لكل تلك الأسباب، تعمل السياسات الغربية -منذ فترة- على تليين مواقف الثوار المصريين ويعمل بعض حلفاء تلك السياسات ورجالاتهم داخل صفوف الثوار على تجاوز فكرة «الشرعية» ممثلة في الرئيس الشرعي المنتخب بإرادة حقيقية للمصريين في أول انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة تشهدها البلاد طوال تاريخها.

وظهرت في الآونة الأخيرة أصوات تنادي بالتوافق والاصطفاف الثوري استنادا لمبدأ التخلي عن الشرعية، ورفع بعضهم شعارا يقول: «الشرعية متجددة وليست جامدة». وذهب آخرون للقول إن الشرعية مبدأ وليست أشخاصا، ورغم وجاهة المنطق فإن ما يخفيه من مناورة والتفاف هو الأهم. باختصار، فإن تلك الشعارات تستهدف الوصول في نهاية الأمر -سواء بوعي أو من دون قصد- إلى تحقيق أجندة غربية تنتهي باتفاق تسوية سياسية في مصر على غرار «اتفاق دايتون» للتعايش بين «الثورة والانقلاب العسكري»، وبما يحافظ على أركان نظام التبعية للغرب وتأجيل سقوطه وانهياره.

والشاهد أن الحديث بدأ يتزايد في مصر هذه الأيام عن «الرئيس المدني المقبل» حتى وإن كان جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك!! وفي هذا تفصيل أكبر في مقال قادم.
إذن من الخطأ أن يظن البعض أن ما يحدث في سوريا منفصل عما يحدث في مصر، فالتدخل العسكري الروسي السافر والمباشر يتصل بشكل وثيق مع ما يحدث في مصر، لدرجة دفعت مراسل إحدى الصحف الأميركية في القاهرة لكتابة تقرير بعنوان: «بينما تشن روسيا الحرب في سوريا، فإنها تطارح مصر الغرام»!!

ويا له من تعبير مهين للغاية للسلطة الانقلابية وسياساتها!!
المثير أنه بينما تتركز الأضواء والتغطيات الصحافية والإعلامية على الدور الغربي في سوريا، فإن ما يحدث في مصر بهدوء وعلى «نار هادئة» لا يشهد مثل هذا الاهتمام.

لذلك فإننا في المجلس الثوري المصري -وأتحدث هنا كناطق رسمي باسمه- نرى الصورة البانورامية الكبرى للمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، ونتعامل معها وفق رؤيتنا الشاملة لا الجزئية؛ لذلك فإننا نرفض تجاوز الشرعية الممثلة لإرادة الشعب والمتمثلة في الرئيس مرسي -فك الله أسره- لأنها السبيل الأوضح بالنسبة لنا للحفاظ على الثورة الشعبية في مصر بعيدا عن المناورات الالتفافية التي تقوم بها منظومة التبعية الدولية ضد بلادنا ومنطقتنا منذ عشرات السنين.
سياسة | المصدر: العرب القطرية - أحمد حسن الشرقاوي | تاريخ النشر : السبت 10 اكتوبر 2015
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com