Akhbar Alsabah اخبار الصباح

تقاليع المعارضة المصرية وسقوطها المتوالي

تمرد تعيش المعارضة المصرية حالةً غير مسبوقة من اليأس وانعدام الثقة؛ حيث ترى حلمها بإمكانية إسقاط نظام الحكم الإسلامي بقيادة الدكتور محمد مرسي والوثوب على السلطة بدلاً منه، وهو يتبخَّر ويتلاشى شيئًا فشيئًا، فبعد أن اغترَّت قوى المعارضة العلمانية بقوتها التي تمثلت في دعم مؤسسات دولة مبارك وأهمها الأمن، والقضاء، والإعلام، والمخابرات، وقواعد ورموز ورجال أعمال الحزب الوطني، بالإضافة إلى كل التنظيمات والقوي الناصرية والشيوعية، وكذلك الأحزاب العلمانية، الذين يعادون ويتخوَّفون من الفكرة الإسلامية والمشروع الإسلامي، ومع كل هؤلاء يأتِي التأييد القوي من دول الخليج ومعه الدعم المالي السخي والذي يقدَّر بالمليارات، بالإضافة إلى التنسيق العلني مع السفيرة الأمريكية آن باترسون..

اعتقدت المعارضة أنَّ هذا التحالف لن يهزم أبدًا وأنه سيزيح– لا محالة – الرئيس محمد مرسي والإخوان عن الحكم، ولذلك كانت المعارضة ترفض الحوار الذي يدعو إليه رئيس الجمهورية، ويقول قادتها: نحن لا نريد الحوار؛ لأننا لسنا في حاجة إليه، نحن الطرف الأقوَى ومؤسسات الدولة كلها معنا، ولم يخطر على بال هؤلاء أبدًا أنَّ الرئيس مرسي سينجح؛ لأنه منتخب شعبيًّا بإرادة ديمقراطية حرة، وأنَّ هناك ملايين كثيرة من الشعب المصري تدعمه وتؤيده وترفض المساس بشرعيته.

هدوء واستقرار ملحوظ

لكن ما حدث كان عكس ما خطّطت وطمحت ونوت وأرادت وحلمت المعارضة المصرية، فالأمور في مصر أخذت تتجه تدريجيًّا نحو مزيد من الاستقرار والهدوء السياسي والاقتصادي، بعد نجاح الرئيس مرسي وحكومته في اجتياز مرحلة من الاختبارات الصعبة، والتصدِّي لمحاولات جرِّ البلاد إلى سيناريو الفوضى والعنف وافتعال وإثارة الأزمات، والاحتجاجات والمظاهرات المتواصلة في الشارع.. التي استخدم فيها الحرق والقتل والتدمير، وبعد الحرب الإعلامية الشرسة التي تَمَّ فيها استخدام كافة الأساليب القذرة وحشد الشائعات والأكاذيب.

فشلت المؤامرة، وازدادت أقدام النظام الإسلامي رسوخًا، ووجدت المعارضة نفسها أمام الحقيقة المرَّة: لقد تَمَّ استنفاذ كل الوسائل الممكنة، وسقطت المؤامرات الداخلية المدعومة إقليميًا ودوليًا، ولم تعد هذه المعارضة تملك إلا الكلام المكرر والمعاد الذي ملَّ منه المصريون وكرهوه، ولم يعد معها إلا إعلام مبارك الكاذب الذي فقد مصداقيته.

ولم يأتِ الهدوء الذي يعمُّ الشارع المصري الآن من فراغ، وإنَّما جاء بعد جهد جهيد من مؤسسة الرئاسة ومن الحكومة، فقد تمكَّن الرئيس محمد مرسي من احتواء الأزمة مع القضاة وتأجيل المواجهة معهم ولو مؤقتًا، وتَمَّ الاتفاق على عقد مؤتمر العدالة الذي طال انتظاره بإشراف مجلس القضاء الأعلى، وجاءت الزيارات الخارجية للرئيس مرسي لتنجح في فتح آفاق التعاون مع كبرى القوى العالمية والإقليمية، وتحت رئاسة الرئيس مرسي اقتربت مصر لأوَّل مرة من تحقيق حلمها في الاكتفاء الذاتي من القمح، بعد زيادة إنتاج هذه السلعة الإستراتيجية 25% هذا العام، كما نجحت المصانع التابعة لوزارة الإنتاج الحربي في تصنيع أول "تابلت" مصري، والأهم من ذلك فإنَّ الكثير من المشاكل المعيشية والأزمات الحياتية التي كانت تسبّب معاناة المصريين البسطاء قد اختفت أو كادت أن تنتهي، وعلى رأسها أزمة الوقود (السولار والبنزين وأنابيب الغاز) وانقطاع الكهرباء، وطوابير الخبز .. فجميع تلك المشكلات والأزمات قد تَمَّ حلها إلى حد كبير بفضل جهود أحد وزراء الحكومة الشباب وهو وزير التموين الدكتور باسم عودة، وبفضل نجاح جهود الرئيس محمد مرسي الخارجية في توفير احتياطي من السلع الإستراتيجية وعلى رأسها الوقود.

ومن النجاحات التي تحققت أيضًا، ظهور مؤشرات اقتصادية طيبة مثل ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي، والذي كان قد قارب في شهر مارس الماضي حد الخطر، كذلك فإنَّ الحكومة بدأت في افتتاح الكثير من المشروعات الاستثمارية الكبرى، وبدأت الخطوات الفعلية في تنفيذ المشروع الحلم الذي يعوّل عليه الدكتور مرسي ومعظم المصريين لإنقاذ الاقتصاد المصري ودفع عجلة التنمية، ألا وهو مشروع تنمية قناة السويس، الذي بدأ في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية بمليارات الدولارات، وسيوفر عشرات بل مئات الآلاف من فرص العمل للمصريين.

وارتكبت المعارضة فضيحة باستجداء العسكريين للعودة إلى الحكم عنوة وانقلابًا، عندما فهمت هذه المعارضة خطأً، أنَّ قادة الجيش راغبون في العودة، ثم عادت لتهتف ضدهم وتتهمهم بالتفريط والتأخون عندما حسم هؤلاء القادة الأمر وأعلنوا أن لا رغبة لديهم ولا تفكير في الغوص في أوحال الصراع السياسي الدائر حاليًّا.

درس السيسي للمعارضة

وحسم الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، موقف الجيش من الصراع السياسي الدائر في مصر حاليًّا، حيث أعلن رفضه التدخل لحسم هذا الصراع، وألقى بالكرة في ملعب الشعب بقوله: "صناديق الانتخاب هي الحل، بدلاً من اللجوء لخيار القوة الذي قد يدمِّر البلاد". وحول فكرة نزول الجيش إلى الشارع مجددًا، قال: "أنا لست طرفًا في هذه المعادلة، أعرف دوري وحدودي جيدًا، أعرف أنَّ المنصب الذي أتقلده في قمة الخطورة، ولا أستطيع أن أقابل ربّنا وأنا مسئول عن دم مواطن، هذا قرار استراتيجي". ونصح السيسي أطراف الصراع السياسي بـ"ضرورة التوصل إلى صيغة للتفاهم"؛ لأنَّ "مصر تتسع للجميع، وقادرة على استيعاب جميع التيارات والرؤى والأفكار"، أما الحديث عن ورقة الجيش فهي "نار، لا يجب اللعب بها أو اللعب معها".

كلام السيسي أصاب المعارضة المصرية الفاشلة والأنانية والانتهازية بالذهول، وأثبت أنَّ الجيش المصري أذكى وأحكم وأكثر وطنية من أن يستدرجه أحد لمستنقع سياسي يتم استنزافه فيه، وهو يعبر عن شخصية وطنية، تعي جيدًا مصلحة البلد، بعد أن قطع الطريق على كل ضعاف النفوس الذين يحاولون الزجّ بالجيش في المشهد السياسي والتعدي على الشرعية المنتخبة بإرادة شعبية.

وأكَّد موقف السيسي تلك المعلومات التي تَمَّ تداولها والتي تحدثت عن تفاصيل لقاء تَمَّ بين قيادات حزبية وسياسية مع قيادات في الجيش، بدعوة من الفريق أول عبد الفتاح السيسي، حسم فيها العسكريون موقفهم الرافض لتكرار خطأ المرحلة الانتقالية، وأكدوا أنهم لن يخوضوا معارك نيابةً عن آخرين في المشهد السياسي.

"تمرد" .. أحدث التقليعات الفاشلة

آخر تقليعة للمعارضة هي تلك الحملة التي تشهدها مختلف المدن المصرية، والمسماة بـ"تمرد"، والتي أخذت على عاتقها جمع توقيعات المصريين لسحب الثقة من الرئيس مرسي، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، والتي يقول المسئولون عنها إنَّهم تمكنوا حتى الآن من جمع أكثر من مليوني توقيع في أقل من أسبوعين، ما يعني أنَّ لديهم فرصًا حقيقة في إنجاز هدفهم (كما يدعون).

وكما فشلت حملة جمع توكيلات لوزير الدفاع للانقلاب على الرئيس المنتخب، ستفشل هذه الحملة وما يشابهها من حملات، فالعبرة ليست بمن يستطيع حشد الناس وجمع التوقيعات، ولكن هناك آلية ديمقراطية وهي صناديق الانتخابات، ومن يعجز عن ممارسة الديمقراطية الصحيحة فليعتزل، وهذه الحملة تحرك غير مقبول قانونيًّا ودستوريًّا، ولا يستند إلى مرجعية، باعتبار أنَّ تغيير الرئيس المنتخب لابد أن يتم وفق آليات حددها الدستور.

لقد ارتكبت المعارضة المصرية سلسلة من المخازي والأعمال غير الأخلاقية، التي تطعن في هذه المعارضة وفي توجهها السياسي والأخلاقي.

فقد سقطت المعارضة حينما ارتكبت مسخرة التظاهر بالبرسيم أمام منزل رئيس الجمهورية، واشتد سقوطها حينما ارتكبت مهزلة التظاهر بالملابس الداخلية أمام بيت وزير الداخلية، وتأكد فشلها الأخلاقي والسياسي حينما دشنت مرحلة الثغاء أو المأمأة الثورية، حين اصطحب أحدهم خروفًا إلى الأستوديو في برنامج يجسد بامتياز التفاهة الثورية في أحط مستوياتها.

وكانت الطامة الكبرى التي تؤكِّد انهيار المعارضة الكامل وزيفها، حينما صار الرئيس المخلوع عندها هو السابق، وعندما تبدلت نظرتها الانتهازية إليه، من قاتل وفاسد في الحكم، إلى حمل وديع ونصير للفقراء.

وكشفت المعارضة نفسها أمام المصريين الأذكياء، حين غضّت الطرف عن تسلل خصوم ألداء لثورة 25 يناير إلى صفوفها، وسكوتها عن اجتراء هؤلاء على التحدث باسم الثورة، وتخطيط مساراتها ووضع جدول أعمالها.

وكان من أغرب سقطات المعارضة المصرية الأنانية الانتهازية الفاشلة، أن استخفها شخص بهذه الضآلة السياسية، مثل الجنرال الهارب، الذي أصبح قائدهم الذي يعطيهم الدروس في السياسة وفي النضال، رغم أنَّه "أبو الفلول".. الذي يتبجح علنًا بأنَّ المخلوع هو قدوته ومثله الأعلى، الذي عادَى الثورة ووقف ضدها، والذي قال: للأسف الثورة نجحت، والذي هو المخطط والمنفذ لموقعة الجمل، التي كان مقصدها إخلاء ميدان التحرير عنوة، وسحق الثورة والثوار.
سياسة | المصدر: الإسلام اليوم - السيد أبو داود | تاريخ النشر : الجمعة 17 مايو 2013
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com