Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الإسلاموفوبيا والعداء ضد المسلمين في ألمانيا وأوروبا

الإسلاموفوبيا تعد ظاهرة الإسلاموفوبيا إحدى أكثر القضايا جدلا في السياق الأوروبي والغربي عامة، لأنها تعبر عن تنام متصاعد لحالة الرفض والعداء للإسلام والمسلمين على المستويين الرسمي والشعبي، مما يجعل النموذج الديمقراطي الليبرالي أمام اختبار مدى قبوله التعددية والاختلاف.

بل إن تصاعد الظاهرة يهدد الأسس الفلسفية والسياسية التي يقوم عليها، وبالتالي يعد تحديا أمام الدول التي اعتمدت نهجا تشاركيا في تدبير التعددية مثل الحالة الألمانية، حيث عملت وزارة الداخلية الألمانية قبل 3 سنوات وبالتزامن مع حادث عنصرية في هاناو وغيرها من المدن على استحداث لجنة خاصة ومستقلة من الخبراء، والتي أصدرت تقريرا يمكن اعتباره من أبرز الوثائق الرسمية لدولة تعد واسطة العقد في السياق الأوروبي.

التقرير الذي صدر نهاية يونيو/حزيران الماضي لا يتوقف فقط عند الكشف عن حجم انتشار الإسلاموفوبيا والمواقف المعادية للإسلام والمسلمين في ألمانيا، وإنما يضع أسسا ومنطلقات يفسر من خلالها التجليات المختلفة للإسلاموفوبيا في علاقتها بمختلف الشرائح للمكون الإسلامي داخل ألمانيا على المستويين الاجتماعي والمؤسساتي معا، بالإضافة إلى وضع مقترحات وحلول جذرية لتجاوز المعضلة والحد منها، وهو ما يجعل التقرير يحظى بأهمية بالغة في ألمانيا وأوروبا عامة، حيث يشكل المسلمون كتلة حرجة، كما يشكل الإسلام قضية محورية في النقاش العمومي وكذلك في الأوساط الأكاديمية.
أولا: الإسلاموفوبيا.. قراءة في المقدمات

شكلت الأحداث المتعاقبة ذات الدوافع العنصرية باعثا على دراسة الظاهرة والبحث في جذورها وتجلياتها، وعلى الرغم من الأرقام الصادمة التي عبر عنها التقرير فإنه ينبغي الإشارة في البداية إلى أن اعتماد المقاربات الأكاديمية ونهج الدراسات البحثية بخصوص الإسلام والمسلمين في ألمانيا بطريقة تفاعلية من أجل البحث في الحلول والمداخل الوقائية للظاهرة يجعل النموذج الألماني مختلفا عن عدد من الدول الأخرى التي اتخذت مع قضية الإسلام والمسلمين طابع سجال لأغراض سياسية انخرط فيه الساسة والإعلاميون كما هو حال النموذج الفرنسي.

وتبقى أهمية الدراسات والتقارير موجهة إلى صانع القرار السياسي في الدول التي تُنصت لمراكز التفكير والبحث، وبالتالي فإن الارتكاز على التقرير الصادر عن لجنة الخبراء في ألمانيا في ضرورة المعالجة البنيوية والهيكلية لمعضلة الإسلاموفوبيا سيجعل من هذه الدولة -التي يمثل فيها المسلمون حوالي 5.6 ملايين مسلم وعمدت إلى تحديث نظام وقانون الهجرة مع الحكومة الجديدة لسد الخصاص في اليد العاملة- تبتعد عن حمى موجة الكراهية التي تتسع يوما بعد آخر، وسيقرب بالمجتمع الألماني أكثر من الموقف المتصالح والمنظور الإيجابي الذي حمله أدباء ومستشرقون ألمان كبار تجاه الإسلام والحضارة الإسلامية ومكوناتها ورموزها الثقافية والدينية، والأهم من ذلك في السياق الراهن صيانة النموذج الديمقراطي التعددي للحد من آثار نزعة الشمولية وما تحمله من مخاطر.

جاءت الهواجس الراهنة حول رعاية النموذج السياسي أحد الجوانب المصرح بها والمضمرة، حيث تمثل الإسلاموفوبيا تهديدا للمشاركة المتساوية لجميع الناس في الدولة الدستورية الديمقراطية، وضمان ذلك من الأدوار المركزية للدولة التي ينبغي أن ترعى الالتزام بتحقيق المساواة للجميع من خلال توفير الآليات القانونية والمؤسسية استجابة لاحتياجات التعددية المتزايدة في المجتمع، وبناء على ذلك يؤكد التقرير في استهلاله أن هناك فجوات في كثير من النواحي عندما يتعلق الأمر بالمساواة في علاقته بالمسلمين، وهو ما يوضحه بالأرقام والمعطيات بشكل مفصل حسب مختلف المجالات.

ونظرا لأهمية هذا المستوى الذي يندرج التقرير في سياقه من أجل حمايته وتحصينه فقد عمد إلى التذكير بالمنطلقات التي توجه الدولة والمجتمع في رعاية التعددية والمساواة، والجوانب القانونية والشكلية التي تحمي التعايش اليومي على مستوى المجتمع، وبالتالي رصد ذلك ليس على مستوى المؤسسات والدولة وحسب، وإنما من حيث توقعات السكان والصور والتمثلات المتشكلة لديهم، والتي لا تبدأ من التمييز الصريح والواعي والهجمات المتكررة من الطيف الشعبوي اليميني في المجتمع والأحزاب وحسب، بل من خلال عيوب بنيوية وأزمة في المفاهيم والمعلومات المضللة التي تعمد إلى نشر حالة الفوبيا والعداء ضد الإسلام والمسلمين، باعتماد رؤية تقسم المجتمع على أساس الـ"نحن" و"الآخرون"، أي الأنا والآخر، هذه الثنائية الحادة تجرد الذات وتدفعها نحو الطهرانية مقابل الآخر الذي يحمل خصائص سلبية غير قابلة للتغير أو الإدماج.

هذا المنطلق الذي تتم الإشارة إليه في محاولة لفهم جذور الإسلاموفوبيا يدفعنا إلى التذكير بمقاربات الخطابات الهوياتية المغلقة، والتي تعمل على تقسيم المجتمعات على أسس حادة وقوالب جاهزة تشكل إحدى السمات التي يتسم بها خطاب العنصرية والتطرف اليميني، حيث ينتفي معه التنوع والتعددية ويكون الآخر في موقع العدم من الأنا، وبالتالي يتطور الرفض إلى حالة عداء، وهو ما دفع لجنة الخبراء إلى اعتبار أن الإسلاموفوبيا من حيث التعريف أو "رهاب المسلمين" بشكل أدق كونه يهدف إلى البعد النفسي والاجتماعي، أي التحيز والأحكام المسبقة والتقليل من قيمة المسلمين، ذلك أن هذا البعد يعالج منحى جزئيا وحسب، إذ توجد أشكال أخرى للإسلاموفوبيا تتجه للإسلام كدين بالاعتماد على التضليل والمعلومات المزيفة، لكن الإسلاموفوبيا عموما تحمل مواقف أو سلوكيات تعبر عنها تمييزا أو وتهديدا متفاوت الحدة، مما يؤدي واقعيا إلى الاستبعاد الاجتماعي للأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم مسلمون، ويتم هذا بوعي أو من غير وعي من طرف الأفراد أو المؤسسات، بحيث يمكن أن تتطور كثير من الحالات إلى العنف.

اعتمد التقرير في دراسته الشاملة للإسلاموفوبيا على "المنظور النقدي للعنصرية باعتبارها ظاهرة اجتماعية متأصلة في جميع مجالات المجتمع، بحيث لا تفهم العنصرية على أنها مشكلة أفراد، بل باعتبارها نظاما اجتماعيا يؤثر بدوره على التصورات والأفعال وفرص المشاركة والعلاقات الاجتماعية" (Mecheril/Melter 2009، ينظر كذلك التقرير، ص: 24)، والسياق الاجتماعي -بحسب المنظور نفسه- يخضع لعلاقات القوة وتوزيع الامتيازات.

ولذلك، فالمسلمون والإسلام وفق هذه الرؤية والمنطلق التفسيري هم مادة تخضع للاستعمال من مختلف الأطراف والمجالات يغذيها إما الجهل بحقيقة الإسلام أو الرفض المبدئي للإسلام والمسلمين، وتلك الجوانب بأبعادها التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية كانت مادة الدراسة في التقرير، كما سنقف مع كل جانب بشكل منفصل في مقالات أخرى لأهمية المقاربة المعتقدة، ويهمنا الآن التوقف مع بعض التجليات للإسلاموفوبيا من خلال معطيات متنوعة.

ثانيا: الموقف السلبي من الإسلام والمسلمين

تتنوع المواقف من الإسلام والمسلمين، لكن بحسب المعطيات التفصيلية التي قدمها التقرير والأسباب الفاعلة في صياغتها فإنها تتجه إلى الصعود في اتجاه الرفض، وهو إما رفض واعٍ تغذيه أسباب دينية وتاريخية وثقافية بافتراض المفاصلة بين الإسلام وألمانيا لدى لفيف من الدراسات التي أسست عليها لجنة الخبراء تقريرها، والأمر نفسه بالنسبة لدول أوروبية متعددة كما سنرى في الرسومات البيانية، أو من خلال عدم المعرفة والجهل بحقيقة الإسلام من خلال ما يقدمه الإعلام من مواد سلبية عن المسلمين والإسلام أو ما تستبطنه الكتب المدرسية، في ظل غياب آليات وقائية ترشد دور الإعلام أو إستراتيجيات تعمل على تنقيح الكتب المدرسية من الآراء الداعمة للإسلاموفوبيا، بالإضافة إلى عدم ملاءمة الجانب القانوني والسياسي لما تحمله الظاهرة من مخاطر آنية ومستقبلية على صبغة المجتمع التعددية، وهو ما يسمح بتمدد واتساع الإسلاموفوبيا.

يميل الشباب إلى مواقف أقل حدة، وحسب التفسير الذي اعتمده التقرير فإن ذلك يعود إلى ميلهم للتواصل الشخصي في المدرسة مع المسلمين في المدرسة والتكوين، فيما تعد نشأة كبار السن في بيئة متجانسة وقلة تواصلهم مع المسلمين في الحياة اليومية عاملا من العوامل التي تسهم في تشكيل تمثلات ومواقف سلبية، والذي ينبغي تجاوزه بمناهج تربوية تشجع على قبول التعددية ومواجهة العداء للإسلام والمسلمين، حسب لجنة الخبراء، وهذا في الواقع على الرغم من حساسية الأرقام المعبر عنها في السياق الألماني فإن اختلاف المقاربة قد يجعل مستقبل العداء للمسلمين مختلفا بين ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى، والتي تتباين فيها المواقف من الإسلام والمسلمين.

لذلك نقول إن اختلاف المقاربات في العلاقة بالإسلام والمسلمين على مستوى سياسات الدول ونهجها الإستراتيجي في ما يخص التعددية يؤثر في الأمد المنظور إيجابا وسلبا حسب الأسس التي تنبني عليها تلك الإستراتيجيات بين الرفض والقبول، وهو ما يجعلنا نرجح أهمية الإنصات لمراكز التفكير في القضايا الحساسة، كما أن النموذج الألماني على الرغم مما تكشفه الأرقام من جوانب مخيفة يبقى بطبيعته يميل إلى التشارك والحوار مع النخب والفاعلين، وهذا ليس نزوعا إلى التفاؤل على الرغم مما تعكسه الأرقام من مخاوف، لكنه يعود أساسا إلى طبيعة النسق السياسي برمته ذات الطابع الفدرالي، وتوزيع مراكز القوة والسلطة بين الحكومة الفدرالية والحكومات الولائية، ثم تدبير المسألة الدينية باعتماد الحوار.

ختاما، إن معضلة الإسلاموفوبيا في ألمانيا -وبعيدا عن المقارنة بينها وبين فرنسا، وحسب ما كشفه التقرير المهم من أسس في الدراسة والتحليل أو الاستشراف ووضع توصيات من أجل المستقبل كما سنرى بتفصيل في المقالات المقبلة- تعد تهديدا حقيقيا للمستقبل في السياق الأوروبي.

وبالتالي فإن إغفال صوت المعرفة في مقاربة الظاهرة وعدم الإنصات للمجتمع العلمي في الدراسة والتحليل والتنبؤ، بل ووضع الإستراتيجيات والخيارات التي تصون وتحمي التعددية سيعمق الأزمة ويؤدي إلى استفحالها.

ولا تقف حدود المسؤولية عند النخب السياسية، بل إن المكون الإسلامي في السياق الأوروبي بحاجة إلى الإبداع على مستوى الخطاب والوسائل للحد من كراهية الإسلام، وبالتالي نشر الصورة الحقيقية غير النمطية التي رسخها الإعلام واشتغلت عليها مراكز القوة من خلال الوسائط التربوية الثقافية والإعلامية في وعي مختلف الأوساط المجتمعية، فالمسلمون اليوم أمام مجهود مضاعف يتصل بتصحيح الصورة من جهة، ثم من جانب آخر التعريف بالقيم الدينية الإسلامية في صورة تلائم السياق الراهن وتجعل الدين والحداثة في حالة تصالح لا في حالة صدام وتنافٍ، وسيكون المقال المقبل عن آليات اشتغال المناهج التربوية والإعلام -القوة الناعمة- في تزييف الوعي بخصوص الإسلام والمسلمين، أو التلاعب بالعقول حسب الكتاب الشهير.
إسلامنا | المصدر: يحيى عالم - الجزيرة | تاريخ النشر : الجمعة 04 اغسطس 2023
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com