Akhbar Alsabah اخبار الصباح

التونسيون يهاجرون بأعداد قياسية مع تلاشي الآمال في إصلاح البلاد

تدفق المهاجرين التونسيين يغادر التونسيون البلاد بأعداد قياسية بعد عقد من الاضطرابات الاقتصادية وتحول الحكومة نحو الاستبداد، مما يبدد الآمال في أن يتمكن جيل الشباب من بناء مستقبل في الأمة التي أشعلت شرارة الربيع العربي. 
تونس على حافة الهاوية.. والحل المتبقي أمام البعض هو الهجرة

تقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية إن تدفق المهاجرين التونسيين يمتد عبر الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة في البلاد، حيث يشكل المهنيون والطبقة العاملة والفقراء نسبة كبيرة من الفارين، خصيصاً بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى رفع أسعار المواد الغذائية والغاز، وتراجع الحكومة عن دعم المواد الأساسية مثل السكر والصناعات الغذائية. 

ووصل معدل التضخم إلى ما يقرب من 10% هذا العام، ويقول الاقتصاديون إن قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بضمان الرئيس قيس سعيد لا يكفي لإرجاع الدولة التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة من على حافة الهاوية. 

قالت مريم سلطامي، سكرتيرة مكتب الحكومة التي تقدمت أيضاً بطلب للهجرة إلى كندا مع طفليها وزوجها، لوول ستريت جورنال: "الوضع بائس هنا". وأضافت أن محل البيتزا الخاص بها أُغلِقَ الشهر الماضي، ولم تتمكن الأسرة من دفع إيجار شقتهم، لذلك انتقلوا للعيش مع والديهم. 

ويمثل النزوح الجماعي من تونس ضربة أخرى لإرث الربيع العربي، وهو سلسلة من الانتفاضات ضد الحكم الاستبدادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لم تدم الديمقراطية في مصر، وأدت الثورات في سوريا واليمن إلى حروب أهلية راح ضحيتها مئات الآلاف.

في تونس، سيطر قيس بن سعيد على البرلمان، ودفع من خلال دستور جديد قوانين للانتخابات في البلاد، مما دفع بعض التونسيين للخوف من عودة الحكم الديكتاتوري الذي عانوه في عهد زين العابدين بن علي، الذي أُطيح في عام 2011. ويبدو أن سعيد بعدما فعله بات في وضع قوي للفوز بأغلبية برلمانية كبيرة في الانتخابات المحلية يوم السبت 16 ديسمبر/كانون الأول 2022. 
عشرات الآلاف يهربون من حكم سعيد والفشل الاقتصادي

يحاول التونسيون اليائسون الآن الوصول إلى أوروبا بأعداد قياسية، وفقاً لمجموعة المجتمع المدني العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومقرها جنيف. سُجِّلَ أكثر من 17,500 مواطن تونسي اعتُرِضوا في البحر الأبيض المتوسط أو نزلوا في إيطاليا هذا العام، وهو أعلى رقم سنوي منذ عام 2011، عندما كانت البلاد في خضم ثورة، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية الإيطالية ووكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي. 

واعتُرِضَ عشرات الآلاف من المواطنين التونسيين خلال العامين الماضيين من قبل السلطات التونسية أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، وقد فر آلاف آخرون قبل محاولتهم دخول الاتحاد الأوروبي. 

من بين أولئك الذين يخططون للمغادرة بشكل قانوني مروان بولاريس، 27 عاماً، مستشار تكنولوجيا المعلومات الذي يقول إنه بعد العثور على فرص قليلة للتقدم في وطنه، أصبح ينتظر الموافقة على التأشيرة للانتقال إلى باريس، حيث لديه عرض عمل من شركة فرنسية. 

وقال: "لم أسمع قط أي مسؤول حكومي يتحدث عن استراتيجية اقتصادية حقيقية وملموسة. لا أعرف إلى أين يأخذ قيس سعيد البلاد". ولم يرد مكتب الرئاسة التونسي على طلبات التعليق.

ألقى سعيد مراراً باللوم في مشاكل تونس على الفساد، وقال إنه يعمل على إصلاح الاقتصاد، بينما يشارك القليل من التفاصيل. وألقى الرئيس مؤخراً باللوم على احتكار غير محدد في أزمة الحليب التي يقول التونسيون إنها ناجمة عن ارتفاع تكاليف الأعلاف لمربي الماشية.
استمرار هجرة الكفاءات تستنزف تونس بشكل كبير

يمثل هروب أشخاص مثل بولاريس نزيفاً كبيراً لتونس، حيث يفر الكثير من الأدمغة البارعة من تونس. تكافح الشركات التونسية بشكل متزايد للتوسع والاستمرار في المنافسة. وفي المستشفيات، قد يستغرق الأمر شهوراً للحصول على موعد لمقابلة أخصائي. ويشتكي الآباء التونسيون بشكل متزايد من تدهور نظام المدارس الحكومية وسط إضرابات متكررة للمعلمين ورحيلهم. غادر حوالي 6,500 مهندس البلاد هذا العام. 

قال فريد بكلوتي، 53 عاماً، الذي يدير شركة صغيرة لتطوير مواقع الويب في تونس العاصمة، إن دخل شركته انخفض إلى النصف في العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، مع استقالة العشرات من الموظفين الشباب للانتقال إلى الخارج.

انتُخِبَ سعيد بأغلبية ساحقة في عام 2019، لكن العديد من التونسيين يقولون إنهم متشككون في قدرته على قلب الاقتصاد. نفد السكر والحليب وزيت الطهي والأرز في المتاجر في بعض الأحيان هذا العام، في إشارة، كما يقول محللون، على أن الحكومة تكافح لاستيراد ما يكفي مع ارتفاع الأسعار العالمية. ورفعت السلطات أسعار الغاز عدة مرات هذا العام. 

خرجت جماعات المعارضة التونسية وعمال القطاع العام إلى الشوارع للاحتجاج على سياسات السيد سعيد الاقتصادية على رأس جهوده لتوطيد سلطته. في الأسبوع الماضي، أغلقت آلاف المخابز التونسية متاجرها مرة أخرى مؤقتاً، احتجاجاً على فشل الدولة في دفع أكثر من عام من الإعانات المتأخرة بنحو 80 مليون دولار.
نصف التونسيين يريدون مغادرة البلاد

يفكر حوالي 45% من التونسيين بالهجرة، وفقاً لمسح أجرته شركة Arab Barometer في خريف عام 2021، ارتفاعاً من 33% في عام 2018. وإلى جانب لبنان، شهدت تونس أكبر قفزة في عدد الراغبين في الهجرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

وقال مات هربرت، الباحث في المبادرة العالمية ضد الجريمة المنظمة العابرة للقوميات، إن عائلات الطبقة المتوسطة بأكملها، وكذلك النساء والقصر غير المصحوبين بذويهم، يقومون برحلات خطيرة على متن القوارب إلى إيطاليا من تونس، للانضمام إلى الشباب العاطلين عن العمل الذين قاموا بمثل هذه المحاولات منذ فترة طويلة. 

ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يستقلون القوارب، زادت السلطات التونسية من الدوريات في مياهها، حيث اعترضت حوالي 10,500 تونسي هذا العام حتى نوفمبر/تشرين الثاني وما يزيد قليلاً عن 16 ألف تونسي العام الماضي، وفقاً لإحصاءات المجموعة بناءً على تصريحات الحكومة التونسية. 

ويسافر التونسيون على نحو متزايد إلى بلغراد، حيث يبحثون عن مهربين لمساعدتهم على عبور الحدود الشمالية لصربيا إلى المجر لدخول الاتحاد الأوروبي، حسب قول هربرت. عبر حوالي 6,600 تونسي الحدود البرية للاتحاد الأوروبي عبر البلقان حتى الآن هذا العام حتى نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي. 

وقال عبد الله اليوتشي، الذي يشرف على ملف الهجرة في الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضم نحو 700 ألف عضو نشط: "ليس الشباب فقط، ولكن كبار السن يغادرون الآن في أي فرصة". وأضاف أنه قلق من انهيار اقتصادي مماثل للتداعيات التي عانى منها لبنان نتيجة جائحة كوفيد. 

ظلت فرنسا، التي حكمت تونس حتى عام 1956، الوجهة الأولى للتونسيين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن غالبيتهم يتحدثون الفرنسية. لكن كندا والخليج برزوا في السنوات الأخيرة كوجهات جذابة، على حد قول متخصصين في الهجرة. 
سياسة | المصدر: عربي بوست | تاريخ النشر : الجمعة 16 ديسمبر 2022
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com