Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مطلب سحب ترشيح بوتفليقة يجمع الجزائريين

الجزائريين من المقرر أن تشهد الجزائر، اليوم الجمعة، مسيرات يصفها الناشطون بـ"مسيرات الحسم"، لدفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الموجود في سويسرا لإجراء فحوصات طبية، إلى سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة في انتخابات 18 إبريل/ نيسان المقبل، رغم بعض المقاومة التي تبديها جبهة الموالاة، ووسط توقعات بتمدد الحراك الشعبي في كافة المدن والمناطق، بعد نجاح مسيرات 22 فبراير/ شباط الماضي، وخروج فئات كالطلاب والمحامين والصحافيين إلى الشارع. وخلال يوم واحد، قطع الناشط في حراك "22 فبراير"، عبد الوكيل بلام، مسافة ألف كيلومتر، من العاصمة الجزائرية إلى مدينة سكيكدة، شرقي الجزائر، من أجل زيارة والدته التي أجرت عملية جراحية ناجحة، قبل العودة إلى العاصمة، لمواصلة الانخراط في الحراك الشعبي المعارض لترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. اعتبر بلام أن والدته مريضة و"تحتاج إلى رعاية، وكان يجب أن أبقى إلى جانها لفترة، لكن الأم الكبرى، الجزائر أمنا جميعاً مريضة أكثر بكثير وتحتاج إلى وقفة تاريخية في منعطف حاسم ومصيري، استدعت مني أن أطوي ألف كيلومتر في يوم واحد، للعودة إلى العاصمة لإنجاح مسيرات الفاتح من مارس". وأضاف بلام أن "مثلي كثير من الناشطين والوطنيين الآخرين الذين تخلى بعضهم عن التزاماته المهنية والوظيفية والاجتماعية لصالح الواجب الوطني". ويعوّل بلام وغيره من الناشطين على نجاح التحركات الاحتجاجية على عكس ما جرى في عام 2014، عندما كان إلى جانب ناشطين مستقلين ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة ضمن حركة "بركات" (كفاية)، حين قادوا الحراك والتظاهرات ضد ترشح بوتفليقة. إلا أن وجود تركيبة تنظيمية للحركة سهّل يومها على السلطة استهدافها ونشطاءها بالملاحقة والاعتقال والتشويه. لكن النشطاء الذين التحق بهم بلام هذه المرة، المنتمين إلى فئات عدة وبينهم نشطاء ونقابيون ومحامون، قرروا تنظيم "حراك 22 فبراير" بصورة افتراضية، لا تسمح للسلطات بمعرفة وتحديد تركيبة الحركة الداعية للتظاهرات، وسط تركيز على وسائط التواصل الاجتماعي في الحشد الافتراضي للحراك المناوئ للعهدة الخامسة لبوتفليقة، وهو ما يفسر تعمد السلطات منذ بدء الاحتجاجات تعطيل الإنترنت.

ويمكن للمتابع للحراك الشعبي الجزائري ملاحظة عدم وجود قيادة محددة ولائحة مطالب واضحة باستثناء الاتفاق على ضرورة عدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. وما ساعد على ذلك أن حراك الشارع اتخذ شكل تحركات قطاعية كالمحامين والصحافيين والمثقفين والطلاب والأساتذة الجامعيين، وحتى الجالية الجزائرية في الخارج لم تكن بعيدة عنه.

كما أن الحراك يدار ضمن منطق "الديمقراطية الميدانية"، بما تضمن تحرير المبادرة على الأرض وترك القرار بشأنها لكل مجموعة ناشطة، ما عدا أن المطلب المركزي يظل نفسه، وفي ظل وجود توافق سياسي على أن يظل التركيز موجهاً فقط باتجاه رفض خيار العهدة الرئاسية الخامسة، دون طرح أية شعارات حزبية. ويعتبر الناشط في الحراك سمير بالعربي أن "الظرف يفرض إلغاء كل الرايات السياسية والخلفيات الأيديولوجية، لصالح المطلب الرئيسي وهو أن يسحب بوتفليقة ترشحه، على أنه يمكن لاحقاً مناقشة أي أفكار أخرى".

من جهته، اعتبر الناشط في جبهة المثقفين الرافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم لما بعد إبريل 2019، نصر الدين جابي، أن "مطلب رفض ترشح بوتفليقة يخفي وراءه جملة من المطالب المتعلقة بالحريات والديمقراطية ورفض التعسف والفساد ووقف انهيار الدولة"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "مجموعة النضالات الفئوية للعمال والمعلمين والأطباء وغيرهم، تحولت إلى حراك جماعي بعدما تأسس وعي جمعي بأن المكاسب والمطالب الفئوية لا معنى لها، في غياب مشهد ديمقراطي تتحرر خلاله الجامعة والمؤسسة الأمنية والأحزاب والنقابات وكافة القطاعات الحيوية لصالح توفير فضاءات النقاش الحر".

في سياق آخر يطرح استطلاع خريطة الحراك الشعبي علامات عن تمدد الحراك إلى مناطق ما، مقابل فتورها في مناطق أخرى. ومثّلت منطقة القبائل نقطة انطلاق فعلية ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، إذ شهدت منطقة خراطة بولاية بجاية شرقي الجزائر أكبر تظاهرة احتجاجية ضد بوتفليقة، لكن ذلك لا يلغي أن منطقة القبائل المعروفة بتمردها المستمر على السلطة منذ عام 1963، ثم انتفاضات الربيع الأمازيغي أعوام 1980 و1994 و2001، لم تلق بكل ثقلها في الحراك حتى الآن، وهي منطقة ينظر إليها على أساس أنها محور ارتكاز مطلبي تاريخياً.

وأبدى المحلل سعيد بشار اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "هناك إحساساً في منطقة القبائل بأنهم خُذلوا من باقي المناطق الجزائرية في انتفاضاتهم المطالبة بالحريات والديمقراطية والحق الثقافي في اللغة والهوية الأمازيغية. وهذا ما يفسر تراخي المنطقة في الدخول بكامل ثقلها في حراك 22 فبراير، بالقدر الذي كان منتظراً، خصوصاً أن سكان منطقة القبائل حققوا جزءاً كبيراً من مطالبهم في انتزاع الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في الدستور، واعتماد رأس السنة الأمازيغية في 12 يناير/ كانون الثاني من كل سنة عيداً وطنياَ". وأضاف أن "هناك أيضاً تراكمات من الإرهاق السياسي والشعبي لسكان المنطقة بسبب مسار طويل من النضالات سابقة بدأ منذ عام 1963".

لكن اللافت في حراك فبراير أن مناطق الجنوب والصحراء تتحرّك وهي عادة ما تكون هادئة بسبب حساسيتها النفطية وتوفر حقول النفط والغاز فيها، فضلاً عن ضعف الأطر التنظيمية وسيطرة المؤسسات العرفية وعقلاء القبائل على المجتمع المحلي. مع ذلك، فإن تلك المناطق على موعد مع حراك اليوم، تحديداً مناطق أدرار تقرت وتمنراست وورقلة كبرى مدن النفط في الجزائر. ويؤشر هذا الأمر على تحول لافت في الموقف الشعبي من السياسات الحكومية التي لم توفر لسكان الجنوب والصحراء المتطلبات الأساسية للحياة مقارنة بما تتوفر عليه هذه المنطقة من ثروات، لكن تغير التركيبة البشرية وتعاظم الفئات الجامعية والنخب المثقفة في المنطقة، حوّل نقطة الارتكاز بعيداً عن المجتمع المحلي من المؤسسات العرفية التي لم تحقق للسكان مطالب جدية، في دلالة على تحول في الطرف الذي يتحكم في حراك المنطقة".

وقال الناشط المدني الذي قاد الحراك الشعبي ضد استغلال الغاز الصخري في عام 2015، محاد قاسمي لـ"العربي الجديد"، إن "تحوّل الموقف الشعبي وتصاعد النفس المطلبي والتحاق سكان مدن الجنوب بالحراك الشعبي ضد العهدة الخامسة، هو نتاج تراكم لسنوات من الحراك الشبابي السلمي في المنطقة، وتنامي الوعي السياسي والمدني في منطقة الصحراء، وأيضاً بسبب تنامي الوعي بغياب التوازن الجهوي في مجالات التنمية مقارنة مع مدن الجنوب، وبوجود استغلال لثروات النفط والغاز التي تتمتع بها المنطقة من دون أن ينعكس ذلك جدياً على مناخ الحياة العامة للسكان في الصحراء".

خلافاً لذلك، فإن استطلاع خريطة الحراك الشعبي أظهر فتوراً لافتاً في التظاهرات والاحتجاجات في بعض مناطق العمق الجزائري، كولايات الجلفة والأغواط وتلمسان ووادي سوف. وهي مناطق معروفة بكثرة وجود الزوايا الدينية، بسبب عوامل تتعلق بتمركزها مع المؤسسات الروحية والصوفية التي تهمين على المنظومة المجتمعية في هذه المدن. ويُعرف عن الزوايا أنها موالية لبوتفليقة وملتصقة بالسلطة وتوفر غطاءً دينياً لخيارات السلطة. وهو عامل راهن عليه بوتفليقة منذ اعتلائه السلطة عام 1999.

واعتبر الناشط محمد علال، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عوامل أخرى منعت امتداد الحراك إلى هذه المناطق". وقال "هذه المناطق لا يمتد إليها الحراك الشعبي والمطلبي بسبب طبيعة المنطقة والبيئة الاجتماعية المترابطة عائلياً، والتي لا تسمح ببروز تظاهرات مطلبية ".

وعلى الرغم من ذلك يراهن ناشطو الحراك على أن نجاح مسيرات "22 فبراير" الماضية، ومستوى السلمية التي شهدتها، سيؤدي إلى تغير في خريطة الاحتجاجات ابتدءاً من اليوم الجمعة، خصوصاً أن الناشطين استغلوا فترة الأسبوع الفاصلة بين مسيرة 22 فبراير وحراك اليوم، للحشد والتعبئة والتنظيم في كل المناطق، لا سيما بعد انكسار حاجز الخوف والتعامل الأمني الحذر مع الحراك الشعبي. ويعول معارضو "العهدة الخامسة" على تحويل حراك اليوم الجمعة إلى لحظة حسم شعبي لدفع بوتفليقة للعدول عن ترشحه لولاية جديدة، وعدم تقديم ملف ترشحه إلى المجلس الدستوري المقرر بعد غد الأحد من جهة، ومن جهة ثانية دفع مزيد من المترددين وكوادر الأحزاب الموالية للانسحاب وإحداث مزيد من التصدع في جدار جبهة الموالاة. ويعيش المسؤولون الجزائريون حالة من القلق منذ بدء الحراك الشعبي انعكس في صدور تصريحات والتراجع عنها. كما انعكس الإرباك في التهديدات الموجهة للمتظاهرين. وفي السياق، حذّر رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، من "استنساخ الحالة السورية في الجزائر والعودة بالبلاد إلى فوضى التسعينيات"، واتهم الجهات التي تقف وراء الحراك الشعبي بالحقد على بوتفليقة.
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الجمعة 01 مارس 2019
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com