Akhbar Alsabah اخبار الصباح

موجة جديدة للربيع العربي تدق أبواب الجزائر

أبواب الجزائر ظل المراقبون ووسائل الإعلام الجزائرية يتساءلون: “لماذا أفلتت الجزائر من الربيع العربي حتى الآن؟”، وكيف نجحت السلطات الجزائرية في تجنب ربيع عربي على أراضيها؟، وارجعوا ذلك الي “البحبوحة المالية” بإغداق السلطة المال لتهدئة أي جبهات احتجاجية كمطالب العمال وغيرهم، إضافة الي تجربة الحرب الاهلية المريرة التي عاشها الجزائريون في تسعينات القرن الماضي (العشرية السوداء) والتي لعبت دورا في عزوف الجزائريين عن الالتحاق بركب دول الربيع العربي.

هذا السعي الجزائري الرسمي لإجهاض الاحتجاجات، لم يمنع، مع ، وقوع احتجاجات عديدة أشهرها عامي 2011 و2016، ولكن أغلبها كانت احتجاجات ذات مطالب اقتصادية او فئوية، وتختلف عن المظاهرات التي اندلعت منذ الجمعة 22 فبراير 2019، ولا تزال مستمرة، والتي غلفها الطابع السياسي، حيث خرج المتظاهرون في عدة مدن للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس الحالي المُقعد بوتفليقه، ورفض ترشيحه لفترة خامسة (العهدة الخامسة) لأنه واجهة لغيره ولا يحكم فعليا.

موجة جديدة

ويبدو أن ما تشهده الجزائر وكذلك السودان هو موجة جديدة من الربيع العربي الذي ثبت أنه لم يموت رغم عتو الثورة المضادة، وأن انتفاضة الجزائر، وقبلها السودان، ترسل رسائل لقادة محور الثورة المضادة (مصر والامارات والسعودية) بأن الشعوب تمرض لكنها لا تموت، وأن هناك جولة جديدة من الثورات ستمتد وتتوسع حتى تقتلع جميع الطغاة من جذورهم.

ورغم الجدب في الصحاري العربية، والتخلي عن القيم الإنسانية في العالم كله، ها هي بذور الربيع التي سحقتها دبابات الطغاة في سوريا واليمن وليبيا ومصر، تبرعم في الجزائر بعد السودان وتجدد الوعد بأن تغدو شجرا باسقا، في كل أرضٍ ارتوت بدم من تاقوا إلى الحرية من أبنائها، وماتوا دونها.

تحليل الواقع

تحليل الواقع الجزائري الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد شهرين، وفي ضوء حراك المعارضة، يشير لتراجع حجة الدولة العميقة متمثلة في قيادة الجيش والاستخبارات ومسئولي الأحزاب الحاكمة الأربعة التي تدعم ترشيح بوتفليقه للمرة الخامسة، في ظل قناعة كافة قطاعات الشعب ان بوتفليقه لا يحكم ولكنه ستار وواجهة للجيش واصحاب النفوذ من ورثة جبهة التحرير الجزائرية.

كما يشير لمشكلات كبيرة يواجهها الشباب الجزائري الذي كان عماد المظاهرات الحالية الضخمة في الجزائر، سواء على صعيد البطالة والتوظيف أو على صعيد التغريب في ظل استمرار سعي رموز في السلطة لتعميق الثقافة الفرنسية على حساب العربية.

إضافة إلى تدهور في الاقتصاد الجزائري في ظل التراجع المخيف لأسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية (الغاز يشكل أكثر من 96% من صادرات الجزائر)، والذي يعتمد عليه اقتصاد البلاد، إضافة إلى الخطط الاقتصادية الفاشلة التي قدمتها الحكومة السابقة والصراع السياسي والمحاصصة في الوزارات والمؤسسات التي تقود البلاد وتسببت في الارتباك الحاصل الآن.

وتعانى الجزائر من تآكل احتياطي النقد الأجنبي بسبب التراجع الشديد في أسعار النفط خلال الفترة من 2014 حتى 2016، بصورة متسارعة من 194 مليار دولار في 2013 إلى أقل من 90 مليار دولار في الوقت الحالي.

وجرت عدة احتجاجات عمالية سابقة لكنها لم تتحول الي احتجاجات سياسية بعد مسارعة السلطة لاسترضاء المحتجين بالاستجابة لمطالبهم على عكس ما فعلته حكومة تونس مثلاً بسبب الإفلاس الاقتصادي، ولكن هذه المرة ومع اختزان الاحتجاجات، جاءت مظاهرات الجمعة 22 فبراير والتي لا تزال مستمرة لتطرح مطالب ذات سقف اعلي هو رحيل بوتفليقه وتغيير أو اسقاط النظام.

الإخوان والثورة الشعبية

ويُعتقد أن الإخوان المسلمين (حركة مجتمع السلم) لها دور كبير في الحشد والمشاركة في المظاهرات؛ بسبب ترشيح زعيمها عبد العزيز مقري للرئاسة، والرغبة في الفوز بها وعدم الاكتفاء بالمركز الثاني الذي سبق أن حققه زعيم ومؤسس الحركة الراحل محفوظ نحناح عام 1995.

فلم يؤيد الإخوان المسلمون في الجزائر الثورة الشعبية فقط، ولكنهم شاركوا فيها، خاصة أن زعيم إخوان الجزائر ورئيس حركة مجتمع السلم الدكتور عبد الرزاق مقري رشح نفسه في انتخابات الرئاسة المقررة أبريل المقبل وانتقد بعنف ترشيح العسكر للرئيس المريض “بوتفليقه” للمرة الخامسة.

وجاء دعم الإخوان للثورة الشعبية في بيان للمكتب التنفيذي الوطني للحزب الإسلامي أشاد بالحراك الشعبي المناهض للعهدة الخامسة، وأكد أنهم يشاركون في المسيرات الحاشدة في كل الولايات، ودعا “كل الجهات التي تريد فرض العهدة الخامسة (في إشارة للجيش والدولة العميقة) إلى التعقل وفهم رسالة الشعب وعدم تحميل الجزائر ما لا تطيقه”.

وشارك عبد الرزاق مقري مع أعضاء الحزب الاسلامي في المسيرة المناهضة للعهدة الخامسة، بالجزائر العاصمة تعبيرا مع المواطنين على رفض العهدة الخامسة.

ولا شك أن نزول زعيم الاخوان الانتخابات الرئاسية وتأكيده أن رئيس الوزراء سيكون من خارج حركة مجتمع السلم، يبدو رسالة طمأنه للنظام والعسكر انهم لا ينوون الاستحواذ، كما أنه يشكل فرصة لقراءة شعبية ودولية مختلفة لعودة الاخوان المسلمين للساحة العربية بعد وأد الثورة المضادة للربيع العربي.

مظاهرات وانتخابات

سواء فاز الاخوان برئاسة الجزائر ام خسروا كما يتوقع مراقبون بسبب تدخلات داخلية وخارجية لأن الاجواء الدولية لا تزال معادية للإسلاميين ورافضة لانتصار الربيع العربي، فسيكون ترتيب مرشح الجماعة في حد ذاته مؤشرا هاما وربما مقصود لإظهار أن الاخوان حركة شعبية قوية ولا يزال لها حضور قوي في الشارع وان الربيع العربي والقمع خصوصا في مهد الحركة في مصر لم يؤثر على شعبيتها، وأن الموجة الثانية للربيع العربي بدأت فعليا.

ايضا نزول إخوان الجزائر الان للانتخابات الرئاسية سيكون كاشفا لحجم التحولات الشعبية في العالم العربي بعدما ثبت فشل الانظمة التي جاءت بها الثورة المضادة، والتي جري الترويج لها على انها البديل لفشل الاسلاميين الذين جاء بهم الربيع العربي، فثبت العكس، ما قد ينعكس على تجارب الاسلاميين في مصر والدول العربية.

وربما كانت تحذيرات رئيس الوزراء الجزائري أحمد اويحيى، الاثنين 25 فبراير، لـ “الجهات التي تحرك الشارع الجزائري خلال الأيام الأخيرة”، من “الانزلاقات التي تهدّد الشارع الجزائري بسبب مسيرات التنديد بالعهدة الخامسة، داعيا دعاة التغيير الى اليقظة”، إشارة لدور الحزب الاسلامي.

لهذا أكد “اويحيى”، بحسب ما نقل عنه موقع tsa عربي الجزائري، على “تجاهل السلطة لنداءات الشارع المطالبة بالقطيعة مع النظام”، وعدم تشريح بوتفليقه وأكد استمرار ترشيحه لفترة خامسة”.

واحتج آلاف الجزائريين في العاصمة على سعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للفوز بفترة رئاسية خامسة في انتخابات الرئاسة التي تجرى 18 أبريل المقبل ، لأن بوتفليقة الذي يتولى السلطة منذ 1999 مصاب بجلطة منذ عام 2013 ويستخدم مقعد متحرك ومجرد واجهة للعسكر ورموز الدولة العميقة.

“دومينو” التغيير

و جاءت مظاهرات الجزائر، وأيضا السودان لتؤشر على أن الموجة الأولى من الربيع العربي التي عصفت بأنظمة وحكام ظنوا أنهم بمنأى عن التغيير، ستتبعها موجة ثانية وأن موجة تسونامي احتجاجي على وشك الاندلاع ليس في الجزائر فقط ولكن العديد من العواصم العربية لأن ما شهدته المنطقة في موجة الربيع الأولى لم يكن كافيا لتحقيق مطالب الشعوب.

وعمقت مظاهرات الجزائر والسودان المؤشرات بأن كثيرا من الشواهد تشير إلى أن أحداث الماضي القريب يمكن أن تتكرر، فكما كانت تونس الحجر الأول في “دومينو” حراك التغيير السياسي قبل ثمانية أعوام، جاءت شرارة الإلهام للموجة الثانية من الاحتجاجات الشعبية العربية من خارج المنطقة، وتحديدا من فرنسا، مستلهمة تظاهرات السترات الصفراء، ثم من عدد من الدول العربية المأزومة اقتصاديا، والمحتقنة سياسيا واجتماعيا، لتبدأ من الخرطوم ثم الجزائر ومرشحه للاشتعال في دول عربية أخري.

ولم تتعلم الأنظمة من دروس الماضي، وقابلت التظاهرات بغلظة أمنية دون حلول سياسية واقتصادية حقيقية ففاقمت الأزمة ولم تحلها، وظلت تكرر اتهامات العمالة والتخوين، وتحاول المراوغة والالتفاف على الثورات، وهو ما لم يعد يجدي نفعا مع شعوب تتطلع إلى إجراءات عملية وخطوات على الأرض نحو الحرية والعدالة وتوفير سبل الحياة الكريمة.

ولم تكن نذر هذا الشتاء العربي القارص سياسيا واجتماعيا، خافية عن عيون وعقول التحليلات الغربية المتعمقة، فقد توقع مقال مطول نُشر بمجلة فورين أفيرز الأمريكية اشتعالها وأن تتعرض الدول العربية لعواصف أعتى من الربيع العربي.

وورد في المقال أن دولا عربية كثيرة بدت كأنها نجت من العاصفة إلا أنه من المرجح حدوث المزيد من العواصف، لأن عاصفة 2011 مظهر لتغيير عميق يجري بالمنطقة، وسيستمر إذا لم يتم تغيير العقد الاجتماعي الراهن الذي كان يقف وراء الاستقرار الذي تمتعت به الدول العربية قبل العواصف المذكورة، ولم يعد مجديا في الحفاظ على استقرار هذه الدول.

وأن “الدول المرشحة لدخول الموجة الثانية من العاصفة، أو حتى الدول التي لا تزال في طور النقاهة من تداعيات موجة الربيع الأولى، تحتاج إلى تغييرات إيجابية في بنيتها السياسية والاجتماعية، كي تتفادى الموجة الجديدة من ربيع الاحتجاجات الشعبية، التي ربما تكون أكثر عنفا، وأكثر خطرا”، وهو ما لم يحدث.
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : الأربعاء 27 فبراير 2019
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com