Akhbar Alsabah اخبار الصباح

عدلي منصور يتوسط بين السيسي وشيخ الأزهر

السيسي وشيخ الأزهر في خطوة مفاجئة، استقبل أحمد الطيب، المؤقت عدلي منصور في مقر المشيخة، ورغم أن الزيارة بدت بروتوكولية في ظل عدم الكشف عن أسبابها؛ فإن توقيت الزيارة بعد المبارزة الكلامية التي جرت بين أحمد الطيب وجنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي، خلال احتفالية المولد النبوي الشريف، حول مكانة السنة النبوية وحجيتها في التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، تفتح الأبواب حول الهدف من الزيارة، والتي تأتي في سياق التوسط بين أحمد الطيب والجنرال بعدما جرى في احتفالية المولد النبوي.

هذه الفرضية تعززها تسريبات من مصادر مطلعة تؤكد عملية التوسط التي يقوم بها منصور، في أعقاب الهجوم الضاري الذي شنه أحمد الطيب على من يطعنون في قيمة ومكانة السنة النبوية، والتطاول عليها والتقليل من قدرها، تحت دعاوى متسترة بغطاء تجديد الخطاب الديني.

كما كشفت المصادر عن أن منصور دعا شيخ الأزهر إلى تفويت الفرصة على من سماهم بــ«المتربصين»، في رسالة تهديد مبطنة من إقدام الجنرال على قرارات صدامية مع المشيخة وهيئة كبار العلماء، لكن ما يحول حتى اليوم دون اتخاذ مثل هذه القرارات هو المكانة التي تتمتع بها المشيخة في أعقاب مواقفها النبيلة والثابتة ضد توجهات سلطوية تخالف قيم الإسلام وأحكامه.

مواقف شموخ

كانت المشيخة وهيئة كبار العلماء قد رفضتا محاولات السلطة السطو على أموال الأوقاف التي تقدر بحوالي ألف مليار جنيه بحجة استثمارها، لكن هيئة كبار العلماء أكدت أن وقف الواقف كنص الشارع لا يجوز التحول عنه إلى غير ما أوصى الواقف، كما رفضت “كبار العلماء” توجهات السيسي نحو تكفير تنظيم داعش والقاعدة وغيرها، واعتبر الإمام الأكبر ذلك منزلقًا ينأى عنه الأزهر ولا يجوز أن يكفر مسلما أقر بالشهادتين تحت أي زعم؛ لأن ذلك يفتح الباب واسعا أمام حملات التكفير المضادة ويبررها ويعطيها مشروعية، والأزهر يحارب هذه التوجهات المتوسعة في تكفير المخالفين.

الموقف الثالث كان رفض الهيئة القبول بما طرحه السيسي حول عدم الأخذ بالطلاق الشفهي إلا بعد توثيق الطلاق؛ بحجة التقليل من حالات الطلاق، حيث تصدرت مصر قائمة أكثر الدول طلاقا في السنوات الأخيرة، لكن المشيخة أكدت أن الطلاق متعلق بالنية، وأن التوثيق هو مجرد إثبات حالة الطلاق وليس منشئًا لها؛ لأنه وقع بمجرد التلفظ والنية. وأن التهاون في ذلك يجعل ملايين الناس يعيشون في حرام تحت هذه الدعاوى التي تخالف أحكام الشرع.

حصانة دستورية

بعد التوتر الأخير بين الطرفين، لا سيما وأن هذا التوتر امتد خلال احتفالية المولد وما بعدها، وكذلك ما أبداه الأئمة والدعاة من تأييد لموقف الإمام الأكبر وضع جنرال الانقلاب في موقف حرج، وهو ما يطرح نقاشات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين وخيارات الجنرال، خصوصا وأن منصب الإمام الأكبر محصن، ولا يملك رئيس الجمهورية سلطة إقالته بحسب نصوص الدستور.

حيث تنص المادة 7 من دستور 2014، على أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء».

مسارات الصدام والوفاق

أمام هذه المعطيات، فإن عدة مسارات تجمع بين الصدام والوئام، وإن كانت معطيات الصدام وسيناريوهاته أكثر ترجيحا؛ تأسيسا على نزعة الاستبداد التي يتسم بها الجنرال وعدم التزامه بأي نصوص دستورية أو قرآنية أو حتى نزعة ضمير سليم، حيث يفتقد إلى الحس الإنساني والسياسي على حد سواء.

المسار الأول، هو الإقالة والإطاحة بالمشيخة وهيئة العلماء بتشكيلها الحالي، وذلك عبر لجوء السيسي إلى استخدام برلمانه لتعديل المادة السابعة من الدستور يما يسمح بعزل شيخ الأزهر، أو تحديد منصبه بمدة زمنية، كما حدث مع مناصب أخرى حصنها الدستور من العزل، ثم قام بتعديل المواد الخاصة بها، أو الدفع للاستقالة. فالسيسي أقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، في مارس 2016م، رغم أن منصبه محصن، وذلك بعد أن منح نفسه سلطة عزل رؤساء الهيئات الرقابية والمستقلة، كما عزل وزير الدفاع الانقلابى السابق صبحي صدقي، في يونيو 2018، رغم النص الدستوري بتحصين منصبه لمدة 8 سنوات. والسيسي لا يحتاج إلى تعديلات في الدستور، فهو عادة لا يلتزم به ولا بنصوصه، ويمضي وفق هواه دون اكتراث أو خوف من محاسبة أو مساءلة، بعد أن هيمن على جميع مفاصل الدولة، وبات هو الدستور والقانون وكل شيء، لكن توقيت ذلك يمكن أن يكون محل خلاف، فالسيسي مقبل على تعديلات دستورية يريد تمريرها بأقل قدر من المشاكل، والأرجح أن يضع تعديلا لنص حصانة منصب الإمام الأكبر في هذه التعديلات المرتقبة خلال النصف الأول من السنة المقبلة، ما يعني أن الإطاحة بالطيب ربما تتم في منتصف العام المقبل بناء على هذا المسار.

المسار الثاني، هو تراجع السيسي عن صدامه مع المشيخة، خصوصا وأن الإمام الأكبر يحظى بتقدير كبير داخل أركان الدولة العميقة وقطاع عريض من المواطنين بعد مواقفه الأخيرة، ويمضي وفق معادلة عدم الصدام مع المؤسسة الدينية الأكبر في البلاد، وذلك درءا لمزيد من تآكل شعبيته التي بلغت حد التلاشي إلا من قطاع صغير داخل أركان الدولة وقيادات الكنيسة والأحزاب الشكلية.

المسار الثالث، أن يبقي المشيخة محل تهديد مستمر وابتزاز متواصل، بالضغط من خلال دعاوى تجديد الخطاب الديني، وتوصيل رسائل التهديد المبطنة كما فعل عدلي منصور، والمباشرة عبر قيادات أمنية وحكومية، ما يدفع الإمام الأكبر إلى الاستقالة تجنبًا لمزيد من الصدام غير المرغوب فيه من جانب المشيخة.

والأرجح أن يتم اعتماد المسار الثالث، أولا لدفع الشيخ إلى الاستقالة؛ فإذا فشل هذا المسار يلجأ النظام إلى المسار الأول والإطاحة المباشرة سواء جرت تعديلات على النص الدستوري المحصن لمنصب الإمام الأكبر أم لا، لكن ذلك لن يكون قبل منتصف العام المقبل على الأرجح.
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : الثلاثاء 27 نوفمبر 2018
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com