Akhbar Alsabah اخبار الصباح

ماذا فعل المصريون للهروب من جحيم الأسعار؟

جحيم الأسعار مع استمرار موجة الغلاء وقسوة الأسعار، لا يقدم عبد الفتاح السيسي منذ انقلابه العسكري على الرئيس محمد مرسي، أي بديل للفقراء من أجل استمرار حياتهم سوى مبرراته الواهية، والمطالبة دائما بالصبر وتحمل الجوع والفقر، في الوقت الذي مازال يخدعهم ببرنامجه المسمى بالإصلاح الاقتصادي، ومشروعاته الوهمية لنهب أموال المصريين.

لا تجد على لسان السيسي سوى أن طريق الإصلاح صعب وقاس، وإنه يتسبب في كثير من المعاناة، إلا أن هذا الطريق لا يضع فيه سوى الفقراء فقط، أما زبانيته ورجال شرطته وقضائه، فهم مستثنون من هذا الفقر، بل يرتعون في كمبوندات الثراء الفاحش.

العودة للموطن الأصلي

ومع تزايد المعاناة التي يعانيها الفقراء في مصر، على مدار السنوات الأخيرة، في ظل إجراءات اقتصادية تقشفية وتحرير سعر صرف الجنيه، وكثرة القروض وارتفاعات أسعار الوقود والسلع الغذائية، اضطر الملايين من المصريين العاملين في القاهرة من مختلف المحافظات للعودة إلى قراهم ومدنهم، تاركين أرزاقهم ولقمة عيشهم نتيجة ارتفاع الأسعار، بعد فشلهم في الاستمرار بالقاهرة.

لم تتحول شكاوى هؤلاء المصريين لاحتجاجات شعبية، بل آثروا السلامة في ظل الضيق والقمع والكبت والاعتقال والفقر، فقرروا أن يرجعوا إلى ديارهم الأصلية، بعد أن ضاقت عليهم الأرض في القاهرة بما رحبت.

ويقول أحمد ع (حارس عقار) في تصريحات لـ”الحرية والعدالة”، إنه اضطر أن يغادر القاهرة نتيجة ارتفاع الأسعار، حيث إن راتبه لا يتجاوز 1500 جنيه في وظيفته، وهو ما لم يعد مناسبا له، بعدما ارتفعت أسعار كل شيئ لدرجة أعجزتهم عن الاستمرار رغم حالة التقشف والظروف التي اعتادوا العيش عليها.

وأضاف أنه قبل هذا الانقلاب كان يكفيه 500 جنيه للعيش، حيث كان متوسط الإفطار هو وأولاده الثلاثة وزوجته خمسة جنيهات، أما الآن فأصبحت العشرين جنيها لا تكفي الإفطار فقط، فضلا عن وجبتي الغذاء والعشاء، ورغم حالة التقشف التي يفرضها هو وأمثاله من الفقراء على أنفسهم إلا أنه فشل في الاستمرار.

وتابع أحمد أنه كان يعمل في وظيفة أخرى بجانب وظيفته كحارس عقار، أما الآن فلم تعد تلك الوظيفة متاحة، وارتفعت الأسعار وانخفض راتبه، وبالتالي لا بديل عن العودة لموطنه الأصلي، حتى يستطيع أن يعيش هو وأولاده.

وأوضح أحمد أن الأسعار في كل المحافظات مرتفعة، إلا أن في الصعيد ربما تكون أكثر مناسبة له ولظروفه، حيث يعتمد على تربية الدواجن في بيته، والمدارس والتعليم هناك أرخص، فضلا عن اعتماده على بعض الثمار التي يزرعها بجوار المنزل، والتي تساعده على لمعيشة، وهو ما يفتقده في القاهرة.

منازل المصريين أصبحت مكاتب

ولم يتطلب العرض الذي تلقته أمينة الكثير من الوقت لتحسم أمرها فيه، فالراتب الهزيل وعدم التعلم وبُعد المسافة من بيتها إلى مقر عملها الحكومي كانت أسباباً رئيسية لقبولها فرصة عمل جديدة بالقطاع الخاص ولكن من المنزل.

تقول أمينة أحمد (27 عاماً)، تعمل مستشارة تطوير مواقع إلكترونية، التحقت بالعمل في إحدى الجهات الحكومية في عام 2014، عقب تخرجها في كلية الحاسبات والمعلومات، ولكنها كانت تقطع مسافة كبيرة من محل سكنها في مدينة السادس من أكتوبر إلى مدينة نصر حيث مقر العمل.

تقول أمينة، التي تقضي ساعتين في المواصلات صباحاً ومثلهما في العودة على أقل تقدير: «كي أصل إلى عملي وأعود منه إلى منزلي، مقابل 1200 جنيه شهرياً، كنت أنفقها في أقل من أسبوع- اتفقت مع مديري على الذهاب يومين فقط أسبوعياً». تزوجت أمينة بعد التحاقها بالعمل الحكومي ببضعة أشهر، وفي هذه الأثناء كانت تتلقى عرضاً للعمل في شركة مصرية لديها أعمال ومقرات خارج مصر، وطلبوا منها أن يكون عملها من المنزل، وهو ما يتوافق مع ظروفها الشخصية.

«فكرت أنا وزوجي، ووجدنا أن العرض فرصة لا تتكرر، ستمكنني من تعلُّم مهارات جديدة بدلاً من العمل الحكومي الروتيني، وافقت على العمل بعد أن جهزت مكتباً صغيراً داخل منزلي»، تتابع أمينة حديثها.

وتذكر المهندسة الشابة أنها أجرت وقتها مقابلة شخصية مع أحد مسؤولي الشركة في القاهرة، أما المقابلة الثانية فكانت على الإنترنت، وبعدها أرسلت أوراقها بالبريد الإلكتروني؛ ومن ثم تلقت عقد العمل عبر الإيميل أيضاً.

ولكن، كما للعمل من المنزل مميزات هناك أيضاً عيوب، تعددها المهندسة الشابة؛ فتذكر منها الوحدة، فالجلوس 8 ساعات يومياً على الأقل أمام جهاز الكمبيوتر وحيداً يصيبك بالوحدة والاكتئاب.

ومن العيوب أيضاً عدم اكتساب مهارات وخبرات كثيرة؛ لعدم التواصل المباشر بشكل يومي مع الزملاء والمديرين، بالإضافة إلى تحميل الموظف الذي يعمل من المنزل مهام أكثر من زميله في مقر العمل؛ بسبب راحته في المنزل عكس الآخر، الذي سيضطر إلى البقاء أكثر في المكتب ويكلّفهم «أوفر تايم»، حسبما تقول أمينة.

لم تقتصر طبيعة العمل من المنزل على من يعملون بالحكومة والقطاع الخاص فقط، فالعمل من المنزل في الأساس كان لأصحاب المهن الحرة ممن يملكون الخبرة في مجال معين ويبيعونها لمن يشاؤون.

ترجمة “من منازلهم”

الصحفي والمترجم محمد عبد العليم قرر منذ سنوات أن يتخلى عن العمل في الصحف والمواقع الإخبارية، ليعمل متفرغاً من منزله بمجال الترجمة، وفي بعض الأحيان الكتابة الصحافية. يقول عبد العليم (33 عاماً)، إنه منذ أن تخرج في كلية الآداب بقسم اللغة الإنجليزية قبل نحو 12 عاماً، وهو يمارس مهنة الترجمة، إلى جانب تجاربه في عدد من الصحف والمواقع المصرية.

ويضيف الشاب الثلاثيني المتزوج والأب لطفل، أنه كان يكسب أموالاً من الترجمة أكثر بكثير من عمله الصحفي، ولكن حلم الانضمام إلى نقابة الصحفيين كان يصبره على الراتب الهزيل. ولكن مع «وفاة الصحافة في مصر إكلينيكاً»، إثر تراجع حرية الرأي والتعبير في البلاد كما يقول، اتخذت القرار المصيري بألا أعمل في أي مؤسسة بعد الآن، فمجال الترجمة واسع وكبير، بدأ بالأفلام والمسلسلات مع المنتديات الشهيرة على الإنترنت ومع مكاتب المحاماة والمحاسبة، وأيضاً هناك مواقع متخصصة في المترجمة بالقطعة والمحاسبة بالدولار”.

ولم يترك الصحافة طوال العامين الأخيرين، فكان يراسل عدداً من الصحف والمواقع العربية والأجنبية بالقطعة، «فالصحافة تجري في دمائي، والمثل يقول (يموت الطبّال وإيده بتلعب)»، يشرح عبد العليم.

كما جهَّز مكتباً داخل شقته في أحد أحياء القاهرة، ووضع عليه جهاز لابتوب واشترك بخدمة إنترنت مميزة؛ ليحصل على سرعة كبيرة تساعده على إنجاز عمله.

يختتم عبد العليم حديثه، بقوله: «أنا مدير نفسي الآن، أستيقظ متى شئت وأبدأ عملي وقتما أريد، وفي نهاية الشهر أحصل على ما يقارب 10 أضعاف ما كنت أتقاضاه شهرياً من الصحافة، وفي النهاية أجلس في بيتي مع ابني وزوجتي».
إقتصاد | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : السبت 15 سبتمبر 2018
أحدث الأخبار (إقتصاد)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com