Akhbar Alsabah اخبار الصباح

موجة اعتقالات بمصر لتمرير شروط صندوق النقد

اعتقالات بمصر صعّد نظام الإنقلاب المصري، من هجمته الشرسة بحق المعارضين، لمحاولة تكميم ما تبقى من أصوات منتقدة لسياسات عبد الفتاح السيسي، وذلك عشية إلقاء خطابه المرتقب أمام مجلس النواب في 2 يونيو المقبل، والذي سيعلن خلاله حزمة من الإجراءات الاقتصادية المتعلقة بزيادة أسعار الوقود والطاقة، طبقاً للاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرضه البالغ 12 مليار دولار.

وتطابق حديث برلمانيين، منهم أمنيون سابقون، وسياسيون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، في رؤيتهم أن "السيسي يستهدف من وراء توسيع دائرة الاعتقالات أخيراً، وعدم اقتصارها على طرف سياسي بعينه، متضمنة جميع التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بثّ رسائل تخويفية إلى جميع المواطنين، وليس إلى قوى المعارضة وحدها، بالتزامن مع بدء ولايته الرئاسية الثانية، وتمرير حزمة من القرارات الصعبة التي ستزيد بالضرورة من الأعباء على كاهل المصريين". واعتقلت السلطات المصرية المدون المعروف، وائل عباس، من منزله فجر أمس الأربعاء، بعدما اقتحمت قوة شرطية مدججة بالأسلحة منزل أسرته في منطقة التجمع الخامس، وقامت بعصب عينيه، واقتياده بملابس النوم إلى جهة غير معلومة، بعدما استولت على أجهزة الحاسب الآلي، والتليفونات الخاصة به، من دون إبراز إذن النيابة. وسبق اختطاف عباس بأيام قليلة، اعتقال عضو حركة "الاشتراكيين الثوريين" المعارضة، هيثم محمدين، من داخل منزله فجر الجمعة الماضية، لينضم إلى القضية المعروفة إعلامياً بـ"معتقلي المترو"، والتي يواجه فيها المحتجون على قرار زيادة أسعار المترو اتهامات لا تخرج في جوهرها عن ممارسة حقهم الدستوري في الاحتجاج السلمي ضد رفع سعر تذاكر مرفق حيوي.

كذلك قررت نيابة أمن الدولة حبس عضو ائتلاف شباب الثورة سابقاً، شادي الغزالي حرب، لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات، التي تجريها النيابة معه في القضية رقم (621) لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، والمتهم فيها بـ"نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للدولة المصرية، والانضمام إلى جماعة أسست خلافاً لأحكام القانون والدستور".

في موازاة ذلك، تباشر نيابة أمن الدولة العليا تحقيقاتها مع 81 متهماً في القضية المعروفة إعلامياً بـ"اللجان الإعلامية لجماعة الإخوان"، من الصحافيين العاملين في المواقع الإلكترونية، وشركات الإنتاج الإعلامي، على خلفية اتهامهم في القضية رقم (10383) لسنة 2016 المقطم، بعد إحالتها من قبل نيابة حوادث جنوب القاهرة الكلية، قبل أيام قليلة، إلى نيابة أمن الدولة العليا.

وادّعت تحريات جهاز الأمن الوطني في القضية أن "المتهمين أنشأوا وأداروا وأسسوا مواقع إلكترونية، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال شركات تعمل في مجال الإنتاج الإعلامي، وبثوا من خلالها مواد عدائية ضد الدولة، وأخباراً كاذبة، الهدف منها الإساءة إلى الدولة، وتعطيل عمل مؤسساتها، ضمن مخططات جماعة الإخوان، التي تستهدف قلب نظام الحكم، والاستيلاء على السلطة بالقوة".

في السياق ذاته، استمر النظام في حشد قوات الأمن داخل محطات المترو، الذي تعطل مراراً خلال الأيام الأخيرة، وسط انتشار أمني مكثف داخل تلك المحطات، لمواجهة أي احتجاجات على رفع أسعار التذاكر، بعدما اعتقلت الشرطة العشرات من الرافضين للقرار، وتوجيه اتهامات لهم تتعلق بالانتماء لجماعة محظورة، والسعي لإسقاط النظام.

وعلى الرغم من هدوء المظاهر الاحتجاجية في محطات مترو الأنفاق، إلا أن هناك انتشاراً لعناصر من الشرطة السرية بزي مدني داخل قطارات المترو، لاعتقال العناصر المعترضة على هذه الإجراءات، إذ علمت "العربي الجديد" من مصادر أمنية، أن "نشر هذه العناصر السرية جاء لكبت أي محاولة لاتساع دائرة الاحتجاج على رفع الأسعار".

وقالت المصادر في حديث خاص، إن "الغرض من هذا الإجراء الاحترازي، هو وجود عناصر تحاول تجييش الشارع المصري ضد النظام، وهو ما يستدعي تدخلاً لملاحقة تلك العناصر، مضيفة أن توجهات عليا كانت سبباً في نشر هؤلاء العناصر، لاعتقال أي شخص يجهر صراحة برفض رفع أسعار التذاكر، بذريعة أنه يزيد من حدة الاحتقان في الشارع.

واعترفت المصادر باعتقال عدد من الأفراد الذين أخذوا في التعبير عن رفضهم القرار داخل قطارات المترو، ظناً منهم أنهم بعيدون عن أعين الشرطة التي تتمركز في المحطات فقط، موضحة أن "أحد كبار السن عبر عن رفضه بصوت عال داخل أحد القطارات، وجرى اعتقاله، إلا أن سبيله أخلي نظرا لسنه الكبيرة، مع تحذيره من معاودة توجيه هذه الانتقادات، مع تحرير محاضر مماثلة لبعض الشباب".

وعن الهدف من اتخاذ هذا الإجراء، أشارت المصادر إلى أنها "تعليمات صادرة من قبل وزارة الداخلية، وغرضها حفظ الاتزان، وعدم السماح بخلق فرص للاحتجاج الواسع"، مؤكدة "وجود تعليمات مشددة على مواجهة أي تحركات مناهضة لسياسات النظام الحالي، خوفاً من انفلات الأوضاع من تحت يد الأجهزة الأمنية، وتصاعد مستوى الغضب الشعبي لدى المواطنين".

من جهته، ذكر خبير سياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن "الوضع في مصر بات يُنذر بانفجار وشيك، ليس بسبب رفع أسعار تذاكر المترو فقط، ولكن بسبب مجمل الإجراءات التي اتخذها النظام الحالي"، منوهاً إلى أن "الشهرين المقبلين سيشهدان ارتفاعات في أسعار السلع، وهو ما يزيد الضغط على الطبقات المتوسطة، على اعتبار أن الطبقات الفقيرة أنهكت تماماً بفعل القرارات خلال العامين الماضيين".

وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تصريحات المسؤولين، وعلى رأسهم السيسي، تشير إلى أن الزيادة في الأسعار لن تتوقف هذا العام، ولكن ثمة زيادة خلال الأعوام المقبلة، بما يدفع نحو انفجار عواقبه غير محسوبة"، محذراً من "استمرار النظام الحاكم في سياساته، سواء الاقتصادية أو الأمنية، التي ترفض حتى تعبير المواطنين عن آرائهم، وهو ما يشكل ضغطاً مزدوجاً".

وأشار إلى أن "السلطة الحاكمة لديها قناعة غريبة، مفادها بأن إحكام السيطرة، ومنع التظاهرات والاحتجاجات، نجاح منقطع النظير في ضبط الأوضاع، وهذا كان ظنّ نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، برغم أنه كان أقل حدة في التعامل مع المواطنين بشكل عام، بغض الطرف عن تعامله مع السياسيين أو النشطاء، مبدياً تعجبه من فكرة نشر شرطة سرية داخل القطارات لمراقبة المواطنين وحديثهم".

وأعرب السيسي، عن تخوفه مما سمّاه "الإجراء الاحتجاجي الواسع" في مؤتمر الشباب الأخير، بدعوى تأثيره السلبي على "استقرار الدولة"، وقطاع السياحة، وذلك في إشارة منه إلى الاحتجاجات التي صاحبت قرار زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسبة تصل إلى 350 في المائة، وهي التصريحات التي أغضبت قطاعات واسعة من المواطنين، وظهرت في ردود فعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

في سياق آخر، بدأت الدائرة الاستخباراتية التابعة للسيسي في بلورة رؤيته بشأن اندماج الأحزاب، وإدخالها في طوع الدولة، وهو ما ظهر جلياً مع حزب "الوفد"، أحد أقدم الأحزاب الليبرالية في البلاد، الذي ذكر رئيسه بهاء الدين أبو شقة، أن "تفعيل الديمقراطية لن يتأتى إلا بوجود حزبين أو ثلاثة أحزاب أو أربعة أحزاب على الأكثر للتنافس فيما بينها، فتتشكل من بينها المعارضة الوطنية التي تبغي مصلحة الوطن والمواطن".

كان أبو شقة قد أعلن انضمام المتحدث السابق باسم الجيش، العميد محمد سمير، إلى عضوية حزب "الوفد"، وتعيينه في منصب مساعد رئيس الحزب لشؤون الشباب، وذلك بالتزامن مع شروع النظام في إجراءات تأسيس "حزبين كبيرين"، أولهما تحت رعاية جهاز الاستخبارات العامة، ليكون حزباً حاكماً على غرار الحزب الوطني "المنحل"، والثاني تحت رعاية جهاز الاستخبارات الحربية، ليكون كياناً للمعارضة "البناءة" من داخل النظام ذاته.
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الخميس 24 مايو 2018
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com