Akhbar Alsabah اخبار الصباح

العثور على كنز فريد بالجزائر العاصمة

ساحة الشهداء العاصمة الجزائرية رغم زخَّات المطر الممزوجة بحبّات البرد والرياح الشديدة البرودة القادمة من البحر، لم ينزل عمال المؤسسة المكلفة إنجاز مترو الجزائر، من على سطح هيكل محطة ساحة الشهداء، حيث يُنجزون رتوشات أخيرة قبل التدشين الرسمي الذي لم يحدد موعده بعد.

بناية المحطة بُنيت من زجاج يميل لونه إلى الأخضر، يعتليه فسيفساء مغاربي، مطوقة بحواجز حديدية، تحرسها الشرطة وأكثر من 11 حارساً خاصاً يرتدون زياً موحداً، في صورة توحي بأهميتها البالغة.

وبالفعل، هي ليست مجرد محطة مترو لنقل المسافرين على خط ساحة الشهداء عين النعجة بالعاصمة الجزائرية؛ بل هي "محطة-متحف"، لا مثيل لها في العالم سوى محطة في روما الإيطالية، وأثينا اليونانية، حسب خبراء الآثار الجزائريين.

فقد شُيِّدت على مواقع شاهدة على 2000 سنة من تاريخ مدينة الجزائر، استغرق بلوغها 9 سنوات من الحفر والتنقيب من قِبل خبراء الآثار الجزائريين والفرنسيين، وستُعرض للمسافرين كمتحف مكشوف شاهد على الحقب الزمنية المتتالية على الجزائر.

ليست كباقي المحطات

يُرفع آذان العصر بالجامع الكبير في الجزائر العاصمة، المحاذي لساحة الشهداء الشهيرة، حيث خرج مسجد "السيدة" الذي يعود للعهد العثماني من تحت الإسفلت ومربعات السيراميك؛ ليروي للجزائريين كيف سوَّته السلطات الاستعمارية الفرنسية بالأرض سنة 1831، لتخلي المكان لتجميع قواتها المسلحة داخل ما أطلقت عليه "ساحة الأسلحة".

بقايا هذا المسجد العتيق ومدينته العثمانية، وتاريخ آخر يعود لآلاف السنين، باتت مثل ذاك السر المفضوح، الذي يمكن للعامة من الناس الاطلاع عليه بنهم كمتحف في الهواء الطلق، كلما توجهوا لمحطة المترو بساحة الشهداء.

محمد، يتذكر جيداً اليوم الأول الذي وطئت قدماه العاصمة قادماً من ولاية شرقية سنة 1986، كان أول مكان قصده هو ساحة الشهداء "كنت أسمع عنها كثيراً وأنا صغير، وكان يوماً مشهوداً عندما وقفت فيها رفقة بعض الأقارب".

وأضاف محمد لـ"ـهاف بوست عربي": "لقد كانت مكاناً مرجعياً نلتقي فيه كل مساء، دون اتفاق مسبق، ومضى زمن طويل لم أقصدها"، قبل أن يبدي دهشة كبيرة عندما علم بما عثر عليه تحتها، قائلاً: "أنا لا أصدق أن كل هذا التاريخ كان تحت أقدامنا ونحن لا ندري!".

إرث تاريخي كبير

سنة 2009، شرعت وزارة الثقافة الجزائرية في إنجاز سبر ما تخفيه ساحة الشهداء تحتها وحماية الشواهد التاريخية عند تمرير خط المترو.

وقال مدير الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية عبد الوهاب زكاع، إنه تم العثور على المدينة العثمانية على عمق 3 أمتار، "والمزيد تحتها، هناك أكثر من 9 أمتار ونصف المتر عمق تاريخ 2000 سنة من التاريخ".

وتابع زكاع أن الموقع الأثري المكتشف، يحكي تعاقب الحضارات المختلفة على المدينة "من الفينيقيين إلى الرومانيين إلى مرحلة يوبا الثاني إلى المرحلة الإسلامية إلى بني مزغنة إلى العثمانيين".

واستعانت الجزائر بخبرة المعهد الفرنسي لعلم الآثار الوقائي في عملية الحفر والتنقيب، وعُثر على أروقة رومانية وفسيفساء وعوالم تعود للقرن الأول قبل الميلاد.

كما عُثر على آثار إحدى الكنائس المشيَّدة في القرن الخامس، ومقبرة بيزنطية تحتوي على 71 قبراً تعود للقرن السابع، كما عُثر على أدوات من الفخار والرخام من الفترة الإسلامية.

وعند تدشين المحطة، سيجد ركاب المترو، فور النزول من السلالم الكهربائية الحديدية، بعض اللوحات المعروضة على الحائط تُبرز أجزاء من التاريخ القديم للمدينة.

بيت المال ومسجد السيدة

يتوقف غالب المارين على ساحة الشهداء، بالقصبة السفلى، عند المدينة العثمانية المسيّجة على عشرات الأمتار المربعة، يتجولون داخلها ويعرجون على اللافتة المنصوبة في زواياها الأربع والتي تحكي تاريخها باللغتين العربية والفرنسية.

من بين هؤلاء، 3 طلبة ينحدرون من الجنوب الجزائري، يدروس الاقتصاد والتسيير، أبدوا لـ"هاف بوست عربي" انبهارهم بما عثر عليه علماء الآثار تحت الأرض، وقال أحدهم: "لا يخطر على بال أحد أن وجود هذه المواقع، بنايات العاصمة كلها قديمة ومن غير المتوقع وجود أقدم منها تحتها".

وبحكم تخصص الدراسة، أكثر ما شد انتباههم، هو بيت المال، الذي كان مركزاً للإدارة المالية العثمانية وشُيد سنة 1625-1626.
وأظهرت الحفرية "مخطط المبنى الذي ينقسم إلى عدة غرف، زيادة إلى ملحقات جانبية بسيطة ومسقفة بأقواس مع قاعدتين واسعتين مبلّطتين بالآجُر وبقايا الأعمدة مزخرفة".

وتروي اللافتة كيف عثر الباحثون على أسس منارة مسجد السيدة الذي كان يصلي فيه الباشاوات العثمانيين إلى غاية 1817، ويحتوي المسجد على مدرسة قرآنية بنيت سنة 1703.

الجامع الحنفي أو مسجد السيدة كما يُعرف، بُني وفق طراز معماري متميز استُخدمت أعمدته الرخامية وتيجانه ذات الزخارف النباتية بعد هدمه من قِبل المستعمر الفرنسي سنة 1832، لتجميل الرواق الخارجي للجامع المرابطي الكبير.

من إيكوسيم إلى الجزائر

يسمى العهد الأول للموقع المكتشف "مدينة إيكوسيم"، التي كانت في الفترة القديمة عبارة عن مرفأ بونيقي يوجد تحت مستويات حي البحرية الحالي.

وعرفت حينها كمدينة مستقلة تابعة لمماليك البور، ثم أصبحت تابعة لمملكة موريطانيا القيصرية تحت حكم يوبا الثاني، قبل أن تُضم إلى الإمبراطورية الرومانية نحو 40 ميلادية.

وتؤكد الحفريات أنه في عهد فيسياسيانوس سنة 75 مُنحت لها رتبة بلدية تحت اسم "إيكوزيوم"، وسقطت تحت سيطرة الوندال في الفترة ما بين 429 و534 قبل أن تتواصل مع الفترة البيزنطية.

وسنة 1950م، قام بنو مزغنة بإعادة تأسيس المدينة التي عرفت ازدهاراً بفضل مينائها البحري خلال الفترة العثمانية، وذلك بين سنتي 1510 و1830، وفرضت نفسها كعاصمة للمستعمرة الفرنسية ثم للدولة الجزائرية.

وبينما يقف المارة على أطلال المدينة القديمة، بساحة الشهداء التي تزيَّنت بالنخيل وقبة حديدية مزخرفة، سيواصل سامي صاحب الـ19 عاماً، البحث بشكل معمق عن تاريخِ من حكموا المدينة العتيقة مثلما أكده لوالدته وهو يهم بالتقاط صور الكنز المكتشف.
سياسة | المصدر: هاف بوست عربي | تاريخ النشر : الثلاثاء 13 فبراير 2018
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com