Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الافتراء العلماني على أبو حامد الغزالي

د. محمد عمارة بعض العلمانيين- الذين قرأوا تراثنا الفلسفي بعيون استشراقية غربية- قد أساءوا فَهم موقف حُجَّة الإسلام "أبو حامد الغزالي"(450 - 505هـ) (1058 - 1111م) من العقل والعقلانية؛ حتى لقد ادَّعى بعضهم أنَّ الغزالي قد كان نكبة على العقلانية الإسلامية، وبداية الانحدار والانحطاط في فكرنا الفلسفي!.

ولو فقه هؤلاء الغربيون والمغتربون ما كتبه حُجة الإسلام في هذا المقام لما ظلموه هذا الظلم الشديد، ولما افتروا عليه هذا الافتراء الغريب والعجيب.

لقد أعلن الغزالي عن الموقف الفلسفي لأهل السنة والجماعة- الذين يمثلون جمهور الأمة الإسلامية- من هذه القضية، أعلن أنَّ موقفهم هو: التأليف بين "العقل"- الحكمة- وبين "الشرع"- الوحي-، والرفض لغلو الإفراط أو التفريط، الذي يُكْتَفَى بأحدهما دون الآخر..

أعلن الغزالي عن هذا الموقف فقال:

"إنَّ أهل السنة والجماعة قد اطلعوا على طريق الجمع بين مقتضيات الشرائع وموجبات العقول، وتحققوا أنَّه لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول".

وانتقد الغزالي أهل الجمود والتقليد الذين يقفون عند ظواهر النصوص وحدها، معتبرًا أنَّ آفتهم هي: "ضعف العقول وقلة البصائر".

كما انتقد الغلاة من الفلاسفة والمعتزلة- الغلاة فقط- الذين وقفوا عند العقل وحده دون الشرع، حتى لو صادموا بالعقل قواطع الشرع"، معتبرًا أنَّ آفتهم- في هذا الغلو- إنَّما أتت "من خبث الضمائر!".. ومن ثَمَّ فإنَّ خطأ هؤلاء الغلاة، جميعًا، إنَّما جاء من ميل فريق منهم إلى التفريط وميل الفريق الآخر إلى الإفراط"، وكلاهما- بعبارة الغزالي- بعيدٌ عن الحزم والاحتياط".

ولقد ناقش الغزالي أولئك الذين يكتفون بنصوص الشرع الواردة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- دون العقل، قائلًا لهم: "ألم تعلموا أنَّ برهان العقل هو الذي عرف به صدق سيد البشر فيما أخبر به من هذه النصوص؟!.. فالعقل- الذي ترفضون- هو أساس الشرع الذي به تتمسكون!".

كما ناقش الذين اكتفوا بمحض العقل عن الشرع قائلًا لهم: إنَّ العقل قد يعتريه القصور, خاصة في حقائق عالم الغيب, ومن ثم فإنَّ حاجته إلى الشرع أكيدة وضرورية كحاجة النص الشرعي إلى برهان العقل الذي يثبت به صدقه عند متلقي هذا النص.

ثم يصل الغزالي إلى هذه الصيغة الجامعة بين الشرع والعقل؛ فيقول:

"إنَّ مثال العقل: البصر السليم عن الآفات والإيذاء، ومثال القرآن: الشمس المنتشرة الضياء, وإنَّ المكتفي بنور القرآن- دون عقل- كالمتعرض لنور الشمس مغمضًا عينيه! فلا فرق بينه وبين العميان!.. كما أنَّ المكتفي بنور العقل- البصر- دون نور الشرع هو كالمبصر الذي يسير في الظلام!.. فالعقل مع الشرع نور على نور.. والمكتفي بأحدهما - دون الآخر- معدود في غمار الأغبياء!.

هكذا... تحدث حجة الإسلام "أبو حامد الغزالي" عن العقل والعقلانية عند أهل السنة والجماعة، وإذا كان بعض الذين ظلموه قد انطلقوا من تصوفه فهلَّا تأملوا أنَّ الرجل قد أفرد للحديث عن العقل المكانَ الأكبر في موسوعته الروحية "إحياء علوم الدين".
إسلامنا | المصدر: د. محمد عمارة | تاريخ النشر : الاثنين 15 اكتوبر 2012
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com