Akhbar Alsabah اخبار الصباح

اليوم يمر 14 عاماً على احتلال العراق

احتلال العراق من على منصة خشبية وُضعت وسط حاملة الطائرات إبراهام لينكولن، أطلق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن ما عُرف لاحقاً بالوعود الأميركية الأربعة للعراق "الأمن، الحرية، الرفاه، الديمقراطية"، وذلك في مستهل خطابه الذي أعلن فيه "النصر" وانتهاء معركة غزو العراق، والذي تزامن مع بدء وصول قيادات سياسية عراقية معارضة إلى البلاد من منفاها في لندن وواشنطن وطهران ودمشق.
وعلى خلاف الأعوام الأولى من الاحتلال، فالمشهد هذا العام بعد 14 عاماً على سقوط بغداد، لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لتوضيح الحال الذي آلت إليه البلاد، ويتقاسم مسؤولية ذلك الولايات المتحدة ومن جلبتهم معها لإدارة البلاد ورسم الصيغة السياسية التي احتكمت منذ ولادتها إلى الطائفية والعرقية وروح الانتقام، وسقط وما زال بسببها مئات الآلاف من القتلى العراقيين.

وبات السواد الأعظم من العراقيين يرى أن الغزو الأميركي لبلادهم لم يجلب سوى الموت والخراب وتفكيك البلاد، حتى بالنسبة لأولئك الذين كانوا يتمنون الخلاص من حقبة النظام السابق، فما خلّفه الاحتلال الأميركي من مآسٍ كبير للغاية إلى درجة دفعت بمن تسلم السلطة في البلاد لإلغاء قرار اتخذه عام 2005 إبان مجلس الحكم الانتقالي اعتبر فيه التاسع من إبريل يوماً وطنياً، واستبدله بيوم الثالث من أكتوبر كيوم وطني، وهو يوم انضمام العراق إلى عصبة الأمم المتحدة عام 1932.
اختير أبو تحسين صاحب أشهر فيديو عقب احتلال بغداد عام 2003 عندما ظهر وهو يضرب تمثالاً للرئيس السابق صدام حسين بحذائه. أبو تحسين يقول اليوم: "الآن تأكد لنا أن بوش قصد العكس بهذه الوعود وكان يقصد الخوف والظلم والفقر والخراب". ويضيف لـ"العربي الجديد": "آسف فعلاً على تفاؤلي المفرط حينها فالعراق عاد قروناً للوراء".

وعلى غرار مجموعة "الحركيين" في الجزائر الذين تعاونوا مع الاحتلال الفرنسي في القرن الماضي، يظهر هذا العام على وجه الخصوص مصطلح جديد داخل الشارع العراقي يُعرف بـ"المُطبّلين" والمطبلون، هم الذين رحبوا بالغزو الأميركي للعراق واعتبروه تحريراً وليس احتلالاً. وحول ذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد أحمد عبد السلام، لـ"العربي الجديد"، أن "المصطلح دليل واضح على خيبة الشارع وحنقه على كل من أوصله لهذه الحال وطبّل للاحتلال"، مشيراً إلى أن "الكثير من هؤلاء المطبلين اضطروا لمغادرة العراق أو تجنّب المجالس العامة والظهور في العلن".
من جهته، يقول عضو البرلمان العراقي، كامل نواف الغريري، لـ"العربي الجديد": "رحبنا بالديمقراطية وشاركنا في العملية السياسية، لكن عملياً لم يحدث تطبيق للديمقراطية في البلد"، مضيفاً: "يمر العراق اليوم بظروف صعبة جداً تختلف عما كانت عليه قبل الاحتلال، فحينها كان هناك أمن وكان هناك قانون، أما اليوم فلا يوجد أمن ولا قانون ولا يستطيع المواطن العراقي أن يؤمن على حياته".

بداية الاحتلال
جرى الغزو الأميركي للعراق بمشاركة جيوش دول بريطانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية والدنمارك وبولندا بواقع 300 ألف جندي، وساهمت 10 دول أخرى بأعداد صغيرة من القوات العسكرية في الهجوم البري الذي بدأ فعلياً في العشرين من مارس 2003 منطلقاً من أراضي عدد من دول جوار العراق.
وبدأ الهجوم في 19 مارس 2003 من خلال ضربات جوية مكثفة استهدفت كل مفاصل الدولة العراقية والقواعد العسكرية ووحدات الجيش والمقرات الرئاسية ومناطق سكنية، ووصل معدل الضحايا الذين يفيدون للمستشفيات العراقية 100 شخص في الساعة الواحدة. ودارت معارك غير متكافئة بين القوات العراقية والقوات المهاجمة انتهت بسقوط بغداد في التاسع من إبريل 2003 لتسقط بعدها كركوك بيوم واحد ثم تكريت في الخامس عشر من الشهر نفسه، ثم الفلوجة التي سقطت باتفاق بين وجهاء المدينة والقوات الأميركية. وتقاسمت القوات المشاركة في الغزو مناطق العراق في الأسابيع الأولى الاحتلال، إذ تولّت القوات البريطانية السيطرة على عدد من مدن الجنوب مع القوات البولندية والأسترالية، بينما تولت القوات الأميركية السيطرة على بغداد ومدن شمال وغرب البلاد، في حين تولى الحزبان الكرديان إدارة الإقليم الكردي (كردستان).

وكشفت معلومات وتقارير سربتها وسائل إعلام أميركية أن إدارة بوش لم تكن تمتلك أي خطة لإدارة العراق بعد احتلاله، وهو ما ساهم في نشر الفوضى والعنف في أرجاء البلاد، وساهم في ذلك سوء اختيار الأميركيين للشخصيات السياسية التي استقدموها من المنفى لحكم البلاد.
يقول فريد سعدي، سكرتير مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي أسسه الأميركيون عام 2003 عقب احتلالهم البلاد وضم 25 عضواً تم اختيارهم وفق النسبة الطائفية والقومية في العراق، إن "أربعة من أعضاء مجلس الحكم أبلغوه بندمهم على مشاركتهم في هذا المجلس وترحيبهم بالاحتلال".

أرقام مفجعة
تُظهر الأرقام التي حصلت عليها "العربي الجديد"، سقوط نحو 430 ألف قتيل عراقي منذ عام 2003 ولغاية مطلع عام 2017 الحالي. واحتلت العاصمة بغداد المرتبة الأولى بعدد القتلى بفارق عن محافظة ديالى تليها محافظة الأنبار ثم صلاح الدين وفي المرتبتين الخامسة والسادسة جاءت نينوى وبابل. وتصدرت العمليات الإرهابية للجماعات المتطرفة والمليشيات الموالية لإيران الصدارة في فاتورة القتلى العراقيين، تلتها القوات العراقية الحكومية ثم القوات الأميركية. وبلغت أعداد الضحايا ذروتها في زمن تولي زعيم حزب "الدعوة" الحالي نوري المالكي رئاسة الحكومة بين عامي 2006 و2014.

وسجّلت سنوات ما بعد الاحتلال وجود 3.4 ملايين مهجّر خارج العراق موزعين على 64 دولة عربية وأجنبية، إضافة إلى 4.1 ملايين مهجر داخل العراق من بينهم 1.7 مليون يعيشون في معسكرات ومخيمات في محافظات عراقية مختلفة. كما سُجل وجود 5.6 ملايين يتيم تتراوح أعمارهم ما بين شهر واحد إلى 17 عاماً، وتحتل بغداد والأنبار وديالى الصدارة في تواجدهم، إضافة إلى مليوني أرملة في العراق تتراوح أعمارهن ما بين 14 عاماً ولغاية 52 عاماً، من بينهن الأرامل اللواتي تم تسجيلهن قبل احتلال العراق (حرب الخليج الأولى والحرب العراقية الإيرانية).
إضافة إلى ذلك، يوجد في المجتمع العراقي 6 ملايين مواطن أُمي لا يجيدون الكتابة أو القراءة، وتأتي البصرة وبغداد والنجف وواسط والأنبار في صدارة تواجدهم، كما تُسجل البطالة في البلاد نسبة 31 في المائة، وتأتي الأنبار والمثنى وديالى وبابل في صدارة المناطق الأكثر نسبة للبطالة، تليها بغداد وكربلاء ونينوى.
وتُظهر الأرقام أن معدل العراقيين المسجلين تحت خط الفقر بأقل من 5 دولارات في اليوم الواحد يصل إلى 35 في المائة، وتتصدر محافظتا المثنى وصلاح الدين هذه النسبة، تليهما بغداد والبصرة. إضافة إلى نسبة 6 في المائة لمعدل تعاطي الحشيش والمواد المخدرة في العراق، تتصدرها بغداد ثم البصرة والنجف تليها ديالى وبابل وواسط، إضافة إلى 9 في المائة نسبة عمالة الأطفال دون سن الخامسة عشرة.
أما بالنسبة إلى القطاع الصحي، فقد انخفضت نسبة الكفالة الصحية للمواطن العراقي، وبات لكل ألف مواطن عراقي سرير واحد، وتم رفع مجانية العلاج في المؤسسات الحكومية، وانتشر 39 مرضاً ووباء أبرزها الكوليرا وشلل الأطفال والكبد الفيروسي، فضلاً عن اتساع نطاق الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية.
كذلك كان القطاع الصناعي ضحية لسنوات ما بعد الاحتلال، إذ توقف 13 ألفاً و328 معملاً ومصنعاً ومؤسسة إنتاج عراقية في عموم مدن البلاد. وتعتمد البلاد حسب مصادر وزارة التخطيط العراقي على 75 في المائة من المواد الغذائية المستوردة وعلى 91 في المائة من مواد البناء والصناعات المختلفة على الاستيراد.
كما أن القطاع الزراعي في البلاد الذي وصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي عام 2002، تراجع إلى حد كبير، وبلغت مساحة الأراضي الزراعية الحالية 12 مليون دونم بعدما كانت 48 مليون دونم في عموم مدن العراق. أما بالنسبة لقطاع الإسكان، فلا تتوفر أرقام قريبة من الواقع، غير أن تصريحات سابقة لأعضاء في البرلمان العراقي تحدثت عن حاجة البلاد إلى 2.6 مليون وحدة سكنية لمعالجة أزمة السكن.
ولا يخرج قطاع التعليم الأساسي عن الأزمات التي يواجهها العراق، إذ تتوفر في البلاد حالياً 14 ألفاً و658 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وإعدادية من بينها نحو 9 آلاف مدرسة متضررة ونحو 800 مدرسة طينية. بينما تؤكد الوزارة حاجة العراق إلى 11 ألف مدرسة إضافية جديدة على الأقل لاستيعاب الطلاب ومعالجة تكدسهم في الصفوف بواقع 40 طالباً بالصف الدراسي الواحد.
وبالنسبة للقطاع المالي، فقد بلغ مجمل الديون العراقية 124 مليار دولار لصالح 29 دولة يضاف إليها صندوق النقد الدولي و6 شركات نفط غربية وديون نادي باريس أبرزها الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والكويت. وفيما بلغت نسبة مبيعات النفط العراقي منذ ديسمبر 2003 ولغاية مطلع العام الحالي نحو ألف مليار دولار، فإنها لم تسهم بحل أي من المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي. وتُقدّر نسبة الهدر من المبلغ الإجمالي بنحو 450 مليار دولار.
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الأحد 09 إبريل 2017
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com